عبدالله السويجي

لماذا لم تعد الولايات المتحدة صالحة لقيادة عملية السلام في الشرق الأوسط؟ والإجابة تكمن في سؤال آخر: وهل كانت الولايات المتحدة صالحة لذلك في يوم ما؟ وهل حققت شيئاً على أرض الواقع يساهم في نزع فتيل التوتر من المنطقة، وتخفيض مستوى عدم الاستقرار؟ الإجابة في الحالتين، لمن يقرأ التاريخ ويتابع الأحداث والجهود الضبابية لعملية السلام تقول: لا.

لو انطلقنا من أحدث تصريحات ومواقف الرئيس الأمريكي ترامب، التي أطلقها في مؤتمر دافوس الاقتصادي العالمي يوم الخميس الماضي، وتوقفنا عند تأكيده على أن مدينة القدس لن تُطرح على أجندة أي مفاوضات سلام، وأن السفارة الأمريكية ستفتح أبوابها في القدس ، قائلاً بأن الخطوة تاريخية وفي غاية الأهمية، لأن «مسألة القدس كانت تعرقل الحوار بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، وسحبها من أجندة المفاوضات سيحقق تقدماً»! ولكي يجبر الفلسطينيين على العودة للمفاوضات، فإنه سيعلّق تقديم المساعدات المالية، واتهم الفلسطينيين بأنهم يعرقلون المفاوضات. 
نقول، لو انطلقنا من هذه المواقف سنجد أنها مواقف «إسرائيلية» بحتة، أي أن ترامب يقف بالكامل إلى جانب طرف ضد طرف، فكيف سيكون وسيطاً نزيهاً في المفاوضات، إلا إذا كان دوره هو الإملاء على الفلسطينيين وإجبارهم على الموافقة على الشروط «الإسرائيلية» غير المنطقية، وهذا ما يفعله، وما فعله أسلافه الذين تناوبوا على البيت الأبيض على مدى أكثر من عشرين سنة، أي منذ انطلاق قطار التسوية، هذا القطار الذي لا يعرف أحداً وجهته، ولا من يقوده، ولا ملامح ركابه، ولهذا رفض الفلسطينيون لقاء ترامب ونائبه، وأكدت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي أن «عدم لقاء ظالمك ليس دليلا على عدم الاحترام، بل دليل على احترامك لذاتك».
تتعامل الادارة الامريكية مع العالم، بعقلية «السوبر» حيث تشعر أنها الأقوى والأغنى والأجدر. لكن الشعور شيء، والواقع شيء آخر، فعالم اليوم بات متعدد الأقطاب، وهناك وسائل ردع في أكثر من مكان ودولة تتمثل في السلاح النووي الذي تمتلكه أكثر من دولة، وهناك السلاح الاقتصادي الذي ينافس واشنطن في عقر دارها، ويكفينا أن نذكر الصين مثالًا على ذلك، لنعلم أن العالم يستطيع العيش بدون أمريكا.
واشنطن تمارس يوميا سياسات منفردة فهي تحرض على انقلابات في كثير من الدول ومنها دول أمريكا اللاتينية، ودول عديدة في آسيا، وتخوض حروباً غير مبررة في الشرق الأوسط، خاصة في العراق، وبتهم ثبت عدم صدقها، كما خاضت ولا تزال حروباً في سوريا، مرة تدعم التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة»، ومرة تدعم قوات سوريا الديمقراطية (الأكراد)، لمحاربة «داعش والنصرة»، فتنتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، والهدف إطالة أمد الصراع في سوريا، رغم الضحايا الذين تتباكى عليهم في كل محفل، وقد اتهمتها روسيا مراراً بأن دورها لا يساعد على إحلال السلام في سوريا.
ولو عرجنا على الأزمة في الخليج العربي، سنجد أن الإدارة الأمريكية تلعب لعبة مزدوجة، ففي الوقت الذي تطالب قطر بالتوقف عن دعم الإرهاب، تبيعها الطائرات المقاتلة وتجري مناورات مشتركة مع قواتها العسكرية، وتفتح لرموز حكمها ماكينتها الإعلامية، وتغض الطرف عن دعمها للإخوان المسلمين واستضافتها لرموزهم.
سننهي حديثاً بطرح أسئلة كما بدأنا: هل القوة الأمريكية عاجزة عن ملاحقة تنظيم القاعدة والقضاء على حركة طالبان وإجبارها على التفاوض مع الحكومة الأفغانية؟ هل الطائرات الأمريكية المقاتلة وأجهزة التنصت والمراقبة والتصوير والرصد عاجزة عن القضاء على «داعش» وإخوانه وتخليص العالم من إرهابه؟ هل كانت الولايات المتحدة عاجزة عن الإطاحة بصدام حسين والعقيد معمر القذافي بتكاليف أقل بألف مرة، وتجنب وقوع ضحايا ودمار؟ وهل هي عاجزة عن الضغط على الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة لتنفيذ اتفاقيات السلام التي تم توقيعها في البيت الأبيض؟ وهل السياسة الأمريكية عاجزة عن حل أزمة الخليج وجعل قطر تستجيب لمطالب الدول التي قاطعتها؟ وهل الولايات المتحدة عاجزة عن رصد الصواريخ التي يتم تهريبها للحوثيين في اليمن من قبل إيران؟
الولايات المتحدة ليست عاجزة مطلقاً ولكنها لا تريد حل أي أزمة من تلك الأزمات، لأنها بكل بساطة تقتات على تلك الأزمات، فكيف ستكون راعياً نزيهاً للسلام؟!