أديس أبابا: حاتم البطيوي

 قدّم العاهل المغربي الملك محمد السادس أمس لقمة قادة دول الاتحاد الأفريقي الـ30 في أديس أبابا، وثيقة هي بمثابة «الأجندة الأفريقية حول الهجرة»، والتي تم إعدادها وفق مقاربة شمولية وتشاركية. واقترح الملك محمد السادس على قادة أفريقيا إحداث مرصد أفريقي للهجرة، وإحداث منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي المكلف الهجرة، من أجل تنسيق سياسات الاتحاد في هذا المجال.
وقال العاهل المغربي في رسالة وجهها إلى القمة الأفريقية، تلاها نيابة عنه رئيس الحكومة المغربية الدكتور سعد الدين العثماني: «خلال القمة الثامنة والعشرين، تفضلتم باختياري (رائداً للاتحاد الأفريقي في موضوع الهجرة)، وهو تشريف لي، وعربون تقدير من لدن إخواني وأخواتي القادة». وأضاف: «في يوليو (تموز) 2017 قدمت اللبنات الأولى لرؤية أفريقية مشتركة حول الهجرة، من خلال المذكرة الأولية التي تم عرضها على أخي فخامة الرئيس ألفا كوندي (رئيس الاتحاد الأفريقي المنتهية ولايته)». وزاد: «يطيب لي (الآن) أن أقدم لكم وثيقة هي بمثابة الأجندة الأفريقية حول الهجرة».
وقال ملك المغرب، إن هذه الأجندة هي «ثمرة للتشاور الدائم مع كثير من رؤساء الدول خلال المحادثات والاتصالات المختلفة التي تمت بيننا»، مشيراً إلى أنها تعكس انخراطاً واسعاً للفاعلين المعنيين، لا سيما من خلال عقد لقاءين مهمين بالمغرب هما: الخلوة الإقليمية المنظمة بتاريخ 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 بالصخيرات، بمشاركة ما يزيد على 120 من أصحاب القرار، وممثلي المنظمات الدولية، والباحثين، وأعضاء المجتمع المدني؛ إضافة إلى المؤتمر الوزاري المنعقد بالرباط في 9 يناير (كانون الثاني) الحالي، بمشاركة ما يزيد على عشرين وزيراً، يمثلون الأقاليم الفرعية للقارة، ومفوضية الاتحاد الأفريقي، والتجمعات الاقتصادية الإقليمية.
وذكر العاهل المغربي أن هذه الوثيقة «تتضمن أيضاً الأفكار والمقترحات والرؤى المقدمة من قبل المؤسسات الرسمية، والمجتمع المدني، والباحثين في أفريقيا، كما تتميز بمرونتها وقابليتها للتطور، وعدم إلزاميتها من الناحية القانونية، حيث يتعين اعتبارها، في المقام الأول، مرجعاً نهتدي به في عملنا المستقبلي، في معالجة هذا الموضوع».
وأوضح الملك محمد السادس أن الأجندة الأفريقية حول الهجرة «تنطلق من ضرورة الإلمام بظاهرة الهجرة في مختلف أبعادها، من أجل فهمها بشكل أفضل. وفي هذا الإطار، فقد آن الأوان لتصحيح المغالطات التالية، المرتبطة بقضايا الهجرة، والتي تكمن في أنه لا وجود لتدفق للهجرة ما دام المهاجرون لا يمثلون سوى 3.4 في المائة من سكان العالم، وأن الهجرة الأفريقية هي قبل كل شيء هجرة بين بلدان أفريقيا، فعلى المستوى العالمي، يمثل المهاجرون أقل من 14 في المائة من السكان، أما على الصعيد الأفريقي، فإن أربعة من بين كل خمسة مهاجرين أفارقة يبقون داخل القارة». وأضاف أن الهجرة «لا تسبب الفقر لبلدان الاستقبال؛ لأن 85 في المائة من عائدات المهاجرين تصرف داخل هذه الدول، كما أن الهجرة ظاهرة طبيعية تمثل حلاً لا مشكلة. ومن ثم ينبغي علينا اعتماد منظور إيجابي بشأن مسألة الهجرة، مع تغليب المنطق الإنساني للمسؤولية المشتركة والتضامن».
وشدد عاهل المغرب على القول إن الهجرة إذا تم وضعها في نطاق أبعادها الحقيقية، بعيداً عن المغالطات التي شوهت صورتها بشكل مشين، تظل تحديا عالميا وحاسما بالنسبة للقارة الأفريقية، مشيرا إلى أنها تستحق مقاربة جديدة تتمحور حول أفريقيا، وتجمع بين الواقعية والتسامح، وتغليب العقل على المخاوف.
وأوضح أن «الأجندة الأفريقية حول الهجرة فيما يخص تدبير الهجرة، تقترح اعتماد نهج قائم على سياسات وطنية، وتنسيق على مستوى الأقاليم الفرعية، ومنظور قاري، وشراكة دولية». وتستلزم هذه الأجندة، في نظر العاهل المغربي، تغيير النموذج السائد، وتحديد مفهوم جديد للهجرة، يقوم على مقاربة استشرافية وإيجابية، وإرادة سياسية حقيقية للدول، التي من مصلحتها أن تتم عملية الهجرة في ظروف سليمة وقانونية ونظامية، تحترم حقوق الإنسان. كما تسعى هذه الأجندة إلى جعل الهجرة رافعة للتنمية المشتركة، وركيزة للتعاون جنوب - جنوب، وأداة للتضامن.
في سياق ذلك، اقترح العاهل المغربي على قادة أفريقيا إحداث مرصد أفريقي للهجرة يرتكز عمله على ثلاثة محاور هي: «الفهم والاستباق والمبادرة». وقال إن هذا المرصد سيعهد إليه بتطوير عملية الرصد، وتبادل المعلومات بين البلدان الأفريقية، من أجل تشجيع التدبير المحكم لحركة المهاجرين. وعبّر عن استعداد بلاده لاحتضان هذا المرصد، كما اقترح إحداث منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي المكلف الهجرة من أجل تنسيق سياسات الاتحاد في هذا المجال.
وقال العاهل المغربي إن من شأن هذه «الأجندة الأفريقية حول الهجرة» أن تساهم في إغناء عملية إعداد الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة.
وأشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب، الذي سيستضيف أشغال المؤتمر الدولي لاعتماد الميثاق العالمي للهجرة، وكذلك المنتدى العالمي حول الهجرة والتنمية، في ديسمبر (كانون الأول) 2018: «ليؤكد التزامه بجعل هذه اللقاءات متعددة الأطراف منبراً لخدمة قضايا القارة الأفريقية».
وذكر العاهل المغربي أنه منذ سنة 2015، فقد أكثر من 6200 مهاجر أفريقي حياتهم في مياه البحر الأبيض المتوسط، ولذلك «فمن واجبنا أن نتحرك حتى لا تذهب سدى مآسي النساء والأطفال والرجال، الذين لقوا حتفهم في جزيرة لامبيدوزا، وحتى لا تتكرر الممارسات المشينة التي شهدتها ليبيا».
وتساءل: «كم يلزمنا من مآسي الهجرة حتى تتغير نظرة مجتمعاتنا تجاه هذه المسألة؟». وقال: «لقد صار لزاماً على قارتنا، وأكثر من أي وقت مضى، أن تنكب على معالجة مسألة الهجرة بروح التضامن التام. وستكون حكمتنا والتزامنا الجماعي هما وسيلتنا الأساسية لتنفيذ الأجندة الأفريقية حول الهجرة. فالاتحاد هو مفتاح النجاح، والتعاون الأفريقي هو سبيله الحقيقي».
من جهة أخرى، شارك المغرب، أمس الاثنين بأديس أبابا، في اجتماع للجنة رؤساء الدول والحكومات حول التغيرات المناخية، نظم على هامش قمة الاتحاد الأفريقي.
ومثل المغرب في هذا الاجتماع، الذي ترأسه الرئيس الغابوني علي بونغو أونديمبا، رئيس الحكومة المغربية.