فيصل العساف

 ما ذكره حمد بن جاسم لمعمر القذافي في التسريب الشهير، عن علاقة الدوحة بإسرائيل، نجح- على عينك يا تاجر هذه المرة- في «تخفيف الضغط الأميركي عن قطر»، لكن مع كثير من التضحيات، وفي مقابل حفنة «كبيرة جداً» من بلايين الدولارات.

المحزن، وآخر ما كانت «رباعية المقاطعة» ترجوه أن يضطر «الأشقاء» إلى بذل تنازلاتهم «عن يدٍ وهم صاغرون»! ما الذي كانت تريده الدول الأربع، التي تقاطع قطر، من قطر؟ ليس أكثر من تخليها عن دعم الإرهاب، ووقف التحريض. هذه باختصار الخطوط العريضة، التي بصمت الدوحة بالموافقة عليها منذ عام 2013 في الرياض، لكنها لم تفِ بالوعود، ونكثت بكل العهود التي قطعتها، لتجلس أخيراً على كرسي الاعتراف في المنظمة الصهيونية الأميركية، تحلف لأعضائها أغلظ الأيمان أنها توقفت عن دعم جماعة «الإخوان المسلمين»، وتطلب منهم مسح دعمها مشاغبات «حماس» في وجه جهلها، متعهدة بطرد «الحمساويين» الذين يقيمون في قطر خلال «دقيقة» من طلب الأميركان ذلك، هذا ما أكده رئيس المنظمة مورت كلاين!

بقي أن تتوقف حملات التحريض الفج، الذي تقوده السلطات القطرية ضد الدول الأربع، وهذا في طريقه إلى الزوال، كما هو متوقع، وبخاصة بعد تصريحات الوزير ريكس تيلرسون، الذي لمح إلى ذلك في مؤتمر صحافي بعد التوقيع على بيان الحوار الإستراتيجي الأميركي- القطري.

الإدارة الأميركية هي الثالثة بعد طهران وأنقرة، التي شهدت عن قربٍ الرعب في عيون ما يسمى «تنظيم الحمدين»، فما كان منها إلا أن «طبطبت» على صدره، مطمئنة إياه، بعد أن أخذت عليه كامل التعهدات اللازمة، بالعمل على حماية «وحدة التراب القطري» من كل ما من شأنه أن يقوض استقراره.

نستطيع الجزم هنا بأنه لم يكن ليغيب عن الأميركيين أن دول المقاطعة ليس في نيتها الاعتداء على دولة قطـــر إطـــلاقاً، وإلا فـــإنها لم تكن مضطرة إلى الانتظار مدة تســـعة أشهر، حتى ولادة هذا الاتفاق!

يعلم الأميركيون جيداً أن الذي «يهدد» وحدة تراب قطر، من وجهة نظر سلطتها الحاكمة، هم شرفاء قطر، الذين جرى سلخهم عن محيطهم عنوة، بل وسلبهم حرية التفكير، لمصلحة «الخلطة» الغريبة التي جمعت على أرضهم ضلالات الإخوان، وطموحات القوميين العرب، حتى باتوا مغلوبين على أمرهم، سواء بقوة النفي القسري، عبر حملات سحب الجنسيات، أم من خلال ممارسة أشكال الضغط الجسدي والمعنوي كافة تجاه الصادحين بالحق، كما حصل- على سبيل المثال لا الحصر- مع الحجاج القطريين، الذين تمت إهانتهم والتنكيل بهم، بسبب ثنائهم على حفاوة استقبال السعوديين.

في ما يبدو أن الأميركيين تمكنوا من تحقيق غاياتهم المرجوة، بداية من التوقيع في حزيران (يونيو) من العام الماضي، بعد أسابيع فقط من المقاطعة، على اتفاق لمكافحة تمويل الإرهاب، التي كانت قطر تماطل في التوقيع عليه سنوات، وانتهاء بضرب ما يطلق عليه «الـــسيادة القطرية» عرض الحائط. جاء ذلك في التعهد «الحمدي» بتحويل قاعدة العديد إلى ما يشبه المدينة «الترفيهية» للجنود الأميركيين وعائلاتهم، شرط أن يبقوا فيها أطول وقت ممكن.

يمكن القول أيضاً إن الاتفاق «الأمريكطري» يعد ضمانة لإنهاء الاحتلال الإيراني، الذي هرعت إليه الدوحة، العاصمة الثانية بعد دمشق، التي يزعم الإيرانيون أنهم ساهموا في الخفاظ عليها من السقوط!

قطر قدمت إسماعيل هنية على طبق من ذهب للائحة الإرهاب الأميركية، وبدوره يسعى تيلرسون إلى أن يقدمه لرباعية المقاطعة بوصفه عربون توبة قطرية، لكنه، وهو الذي عاد بخفي حنين من المنطقة في بداية الأزمة، يعي أنه لن يجني سواهما حتى تغير قطر مسلكها الطامح إلى تقويض أمن جيرانها. ولعل الوقت مناسب الآن لكي تتم مكاشفتها بحقيقة أن إسرائيل في الشرق الأوسط «واحدة»، لا كما تحاول قطر أن تبدو، أو تطمح حملة العلاقات، التي يقودها ممثلون عنها في أميركا، إلى تصويرها.