سمير فرج

فى نفس هذا المكان، منذ سنتين، تحديداً يوم 24 يناير 2016، نشرت مقالاً عن أخطر وثيقة أمريكية، صدرت، بتصنيف سري، فى عام 2015، وخدمنى الحظ فى الاطلاع عليها.

تناولت، فى ذلك المقال، التحليل الأمريكي، الوارد فى الوثيقة، عن السنوات الخمس القادمة فى العالم، مركزاً عما ورد فيها بشأن مصر، وما ذكرته الوثيقة السرية من أن مصر تسبح فوق بحيرات من الغاز الطبيعى والبترول، على سواحلها فى شمال الدلتا، فى البحر المتوسط.

كانت الوثيقة قد ذكرت أن مصر ستحقق اكتفاء ذاتياً من الغاز الطبيعى فى عام 2018، وسيفيض إنتاجها منهم بحلول عام 2020، بما سيسمح لها بالتصدير، للدول الأوروبية. وأكدت الوثيقة، أن تلك الاكتشافات البترولية فى مصر، هى السبب وراء قيام الرئيس عبد الفتاح السيسى بزيارة كل من قبرص واليونان، فور توليه السلطة فى مصر، فضلاً عن الزيارات المتبادلة بين وزير الدفاع المصري، ونظرائه فى كلا البلدين، لتوطيد أواصر التعاون معهما، وهو ما نتج عنه نجاح مصر فى توقيع اتفاقية دولية لترسيم الحدود البحرية بينهما وبين كل من قبرص واليونان وإسرائيل.

وأنهت الوثيقة تحليلها بأن قيام مصر بتدعيم قدراتها العسكرية، سواء بشراء حاملة المروحيات الميسترال، أو مقاتلات الرافال من فرنسا، وكذلك أحدث الغواصات من ألمانيا، من طراز 209، فضلاً عن تحديث أنظمة دفاعها الجوى من روسيا، إنما يؤكد عزم مصر، على تأمين حدودها البحرية فى البحر الأبيض المتوسط، وكذلك البحر الأحمر، وأهمها مناطق اكتشاف الغاز الطبيعي، فى الفترة القادمة، بقوات بحرية وجوية، قوية، وعلى أعلى مستويات الكفاءة.

وفور كتابتى لهذا المقال، فى 2016، ظن البعض أنه لا يعد كونه أكثر من جزء من خطة لتهدئة الشعب المصري، وإعطائه الأمل فى المستقبل ... بل انتقد البعض أن مثل هذه التوجهات قد تحقق ضرراً، عندما يكتشف الشعب أنها لن تحدث فى المستقبل ... وأحمد الله أن كل ذكرته، مما ورد فى هذه الوثيقة قد تحقق، فلقد تم اكتشاف حقل (ظهر)، وخرج وزير البترول المصرى ببيانات رسمية تؤكد أن مصر سوف تكتفى من الغاز الطبعى فى عام 2018، و ستبدأ فى تصديره إلى أوروبا بحلول عام 2020.

وخلال عدد من اللقاءات التليفزيونية، أكدت أنه سيحسب للرئيس السيسي، خلال فترته الرئاسية الأولى، أنه استجاب لرغبة الشعب فى التخلص من جماعة الإخوان، واتخذ عددا كبيرا من القرارات الاقتصادية التى كانت واجبة النفاذ منذ اكثر من 40 عاماً، وأنه بادر برسم الحدود البحرية لمصر فى البحر الأبيض المتوسط، حفاظاً على ثرواتها ومقدرات شعبها.

ولكن يبدو أن قوى الشر لا تريد لمصر أن تقوى، وأن تستفيد من حقوقها؛ إذ أعلن وزير الخارجية التركى مولود جاويش أوغلو، فى حديث له يوم الاثنين الماضي، عدم اعتراف تركيا باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، المبرم فى عام 2013، وأن تركيا ستقدم طلبا لرفض الاتفاقية، وإسقاطها بزعم أن الاتفاقية تنتهك الجرف الفارسى التركى عند خطوط الطول 32، 16، 18 درجة، واعتبر الوزير التركى أن القبارصة الأتراك لهم الحق فى النقاش بها حول قبرص، وكانت تركيا قد اجتاحت جزيرة قبرص فى عام 1974، وأعلنت ما يسمى بجمهورية شمال قبرص التركية، التى لم تعترف بها أى دولة فى العالم سوى، حكومة أنقرة.

ورداً على ادعاءات وزير الخارجية التركي، فقد أكدت مصر التزامها بالقوانين الدولية المعمول بها فى مثل تلك الاتفاقات، إذ أن اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص مودعة فى الأمم المتحدة، بعد الموافقة عليها، وبناء على ذلك، بدأت مصر فى عملية التنقيب فى المياه الإقليمية، التى حددتها الاتفاقية، علماً بأنه لا يمكن التنقيب إلا بعد ترسيم الحدود البحرية مع الدول المجاورة، وإبرام اتفاقية دولية بشأنها. ولقد أكدت مصر تأسيس هذه الاتفاقية على قواعد وقوانين مبادئ القانون الدوليين واتفاقية الأمم المتحدة لقانونى البحار عام 1982، وأن مصر راعت، فيها، حقوق كل الدول المجاورة.

بهذا يتأكد للجميع أن تصريحات وزير خارجية تركيا، جزء من مرحلة التحرش السياسى والاقتصادى الجديدة بمصر، والتى بدأت بالاتفاق الذى أبرمته تركيا مع السودان، أخيراً، وتقوم الأخيرة بمقتضاه بتسليم تركيا «جزيرة سواكن»، الواقعة على البحر الاحمر، لتصبح تحت السيطرة التركية، وهى الجزيرة الموجودة فى المجرى الملاحى للبحر الأحمر، والتى قد تؤثر على سير الملاحة إلى قناة السويس المصرية.

ومن هنا نؤكد سلامة وصحة الرؤية المصرية، التى ارتكزت على تحديث القوات البحرية المصرية فى الفترة السابقة، وبعد نظر الإدارة المصرية فى هذا الشأن، التى استبقت الأحداث، بحماية الملاحة البحرية فى البحر الأحمر، لتأمين قناة السويس، كأحد مصادر الدخل القومى المصري، ثم تأمين مناطق استثمار الغاز الجديدة فى البحر المتوسط، وتأمين خط الغاز المقترح تنفيذه بين مصر وقبرص واليونان، ليكون إضافة جديدة فى المستقبل عام 2020، والذى ستصبح مصر، من خلاله، قوة اقتصادية عظيمة فى المنطقة مدعومة بالقوة العسكرية اللازمة، التى ترتكز على قوة بشرية، وبذلك يكتمل دعم عناصر قوى الدولة الشاملة ... وأرجو أن يكون هذا الدرس قد أفاد أصحاب الأصوات التى انتقدت مصر فى شراء الأسلحة والمعدات المتطورة.