فهد الدغيثر

 بلغ العداء «المضحك» الذي تقوده حكومة الظل في قطر ضد الجارة الكبرى السعودية مداه مع دعم الدوحة وترويجها لبعض المطالبات التي نشأت فجأة وبقدرة قادر من ماليزيا، والمدعومة بالمال والإعلام القطري، بتدويل الحرمين الشريفين. لم يتجرأ أحد قبل ذلك على حديث كهذا باستثناء إيران بالطبع، غير أن قطر في الواقع تجاوزت مطالبات إيران في الماضي عندما تبنت الدعوى «الماليزية» وروجت لها كثيراً وفي شكل فاضح في وسائلها الإعلامية المتعددة حول العالم.

في الوقت ذاته، وهذا من عجائب الحنكة السياسية هناك، تطالب قطر برفع المقاطعة التي تبنتها السعودية ومصر والبحرين والإمارات، وتعتبرها حصاراً وتناشد صناع القرار في الولايات المتحدة ودول العالم التدخل. نفهم بالتأكيد حاجة قطر لرفع المقاطعة كونها فعلاً تعوق نمو اقتصاد قطر وكان الغرض منها دفع الدوحة للعودة إلى تحكيم العقل والابتعاد من دعم الجماعات المتطرفة وإيواء رموز جماعة «الإخوان المسلمين»، التي تم تصنيفها كجماعة إرهابية بواسطة الدول الأربع، هذه المقاطعة وهي غير مسبوقة منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي، لم تحدث بالطبع إلا بعد نفاد الصبر وتغليب حسن النوايا لأكثر من 20 سنة، تخللتها وعود موثقة من قطر بكف الأذى، لكن لم يتم تنفيذها للأسف.

شخصياً، ومنذ أن بدأت أتابع قناة الجزيرة قبل عقدين، ثم استمعت إلى التسجيلات المسربة لحديثي الأمير السابق حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس وزرائه آنذاك حمد بن جبر بن جاسم آل ثاني مع الرئيس معمر القذافي عن خطة تقسيم السعودية، وأنا مقتنع بأن حكومة قطر تتجه إلى المجهول، لا يمكن تجاوز ما احتوته التسجيلات من تفاصيل دقيقة عن الخطة وتخطيط وتصور واضح لما بعد ذلك، مهما حاول البعض هناك في الدوحة البحث عن المبررات. الحقيقة أن كل ما حدث قبل المقاطعة ويحدث الآن ليس إلا تصميماً وعزيمة على تنفيذ ما استمعنا إليه في التسجيلات بلا أي أخطاء. القول بوجوب نسيان التسجيلات وتجاوزها لا يستقيم لأن السلوك العام وليس التسجيلات هو لب المشكلة، وما محاولة ترويج فكرة تدويل الحرمين على تفاهتها واستحالة تطبيقها على أرض الواقع، إلا جزء يسير من المحاولات الأخرى الفاشلة التي تحدثوا عنها مع القذافي.

الممارسة السياسية التي تنتهجها الدوحة حالة من الأعاجيب لا بد من تسليط الضوء عليها ليستفيد منها الطلبة المستجدون في تخصصات العلوم السياسية، أتحدث هنا عن جهل الحكومة القطرية بافتقادها الواضح المقومات الأساسية اللازمة لإنجاح أي خطة عمل «طموحة» كهذه، ومع ذلك لا يتوقفون عن المحاولات. تنفق هذه الحكومة الملايين من الدولارات في شراء الأصوات التي تخرج في تعليقات الأخبار، وتشتري وتؤمن حياة بعض كتاب الرأي ممن باعوا أوطانهم في كل مكان بهدف تضخيم الحالة التي حكمت عليها ظروفهم وإمكاناتهم بالموت في يوم ولادتها. لهذا السبب وغيره لا يجب أن يكون التعامل مع هذا السلوك «الطفولي» تعاملاً ديبلوماسياً عاقلاً كما قد يحدث بين أي دولة أو كيانات وأخرى. بمعنى آخر، من غير الحكمة أن نتعامل مع حكومة الدوحة معاملة الند للند.

في تصوري أن بعض الدول الغربية غير مطلعة على هذه التصرفات وأقصد شراء الذمم ونثر الأموال في كل اتجاه. ومن المؤكد أيضاً أن مراكز عدة في الغرب باعت مهنيتها، مقابل المال لتشارك في الترويج إياه وتحاول تلميع صورة النظام الحاكم في قطر ليخرج بريئاً من التهم التي تحاصره في كل مكان.

أما على مستوى «تويتر» وتحديداً في الحوارات المكتوبة باللغة العربية فتصرفات من يوظفونهم لهذه المهمات، وغالباً هم من جنسيات أخرى غير قطرية، تصرفات سطحية جداً وكل ما يحاولون الوصول إليه هو جر مواطني دول المقاطعة الشرفاء إلى منزلقات مليئة بأنواع السب والشتم والقذف كافة، يستفزون بعضنا للنزول إلى المستوى ذاته للرد عليهم ومجاراتهم، وعندما يحدث ذلك يعتبرونه إنجازاً، هذا وإن لم يحدث إلا في حالات نادرة، يجب أن يتوقف وأتمنى أن ينتبه المغردون من مواطني الدول الأربع إلى عدم الانجراف وراء هذه الحيل. التجاهل التام لمثل هذه البيئة الغارقة في التلفيق والأكاذيب هو الحل الأكثر فاعلية طالما بقيت العقوبات كما هي عليه، أستثني من ذلك إخواننا الإعلاميين في مصر، إذ يمتلكون مواهب لا توجد عند غيرهم من الدول الأربع في التعامل مع مثل هذه التحرشات بردود ملجمة وقاسية لا يمكن مجاراتها.

كشاهد على ما أشرت إليه من مسلسل الفشل الذي يستمر حتى كتابة هذه السطور، دعونا نستذكر «بعض» أبرز الحالات وليس جميعها، إذ إن تغطيتها كاملة سيتطلب تأليف كتيب. عمل «التنظيم» المعروف على ترويج العمليات الإرهابية وبث بحماسة منقطعة النظير خطب ابن لادن والظواهري وروج لها، استضافت الجزيرة رموز التيار السروري في المملكة في عز زمن التفجيرات في الرياض وغيرها من مدن السعودية، وقد عرض أحد هؤلاء «المشايخ» التوسط بين الإرهابيين والحكومة السعودية، منح جوازات قطرية لإرهابيين سعوديين في الخارج مكنتهم من دخول المملكة وتنفيذ عمليات إرهابية، استضافوا في شكل مستمر من يسمون أنفسهم المعارضين السعوديين من لندن وواشنطن، تحدثوا عبر الجزيرة أيضاً عن الفساد في شراء العتاد العسكري ليس حباً وغيرة على المملكة وسمعتها ولكن أملاً في إسقاط حكومتها، روجوا كثيراً لما أسموه «يوم حنين» في فترات «الربيع العربي» وكان الهدف منه خروج السعوديين إلى الشوارع، وفي عشية مؤتمر الإرهاب بحضور الرئيس ترامب في الرياض وحتى قبل مغادرة الشيخ تميم مقر إقامته، ينشر موقعهم من لندن مقالة لوزير خارجية إيران يتهم فيه المملكة بتدبير عملية ١١ أيلول (سبتمبر) وتنفيذها، سلوك الجنود المشاركين في «عاصفة الحزم» وما يتردد من خيانات أدت إلى مقتل عشرات من جنود التحالف، هذا فضلاً عن التغطية المحتفلة فرحاً وبهجة بقضية «جاستا»، هذا فقط في السعودية أما في جمهورية مصر العربية فتلك قصة أخرى تحتاج مجلدات، وهناك بالطبع البحرين والإمارات وليبيا وتونس وسورية وغيرها، أضف لكل ذلك المحاولات المستميتة لشيطنة أي دولة على أخرى مهما كلفهم ذلك من صدقية.

التسجيلات إذاً ليست هي المشكلة بحد ذاتها كما أشرت، بل السلوك العام الذي يدعم كل ما جاء فيها من مخططات مفصلة بدقة متناهية، وكما يقال في الغرب، مع صديق أو «شقيق» كهذا لا حاجة بك إلى وجود الأعداء.

ليس أمام قطر بعد كل هذا التاريخ المؤسف إلا الإذعان للمطالب وطي تلك الحقبة المدمرة والبدء من جديد في علاقات بناءة مع جيرانها والعالم. الطموحات الكبيرة الواعدة في نهضة قطر ونموها اقتصادياً بما تمتلكه من ثروات هائلة، لن يكتب لها النجاح في بيئة عدائية تتآمر سياسياً واستخباراتياً على الجيران. النهضة البشرية والاقتصادية مع السياسة الطفولية المتهورة في أي دولة نامية، ضدان لا يلتقيان.