حسام عيتاني

في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، سُجّلت المحاولة الأخيرة لفرض قيود جديدة على مبيع الأسلحة للعموم في الولايات المتحدة. فشل المسعى التشريعي على الرغم من أنه جرى بعد أسابيع قليلة من مقتل 58 شخصاً برصاص مسلح أثناء حفل موسيقي في مدينة لاس فيغاس. كانت التوقعات الصحافية يومها تذهب إلى أن تقييد بيع الأسلحة الفردية لن يمر في الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون. وهذا ما حصل.

بعد ساعات من إطلاق مراهق النار على زملائه في المدرسة التي فُصل منها في إحدى مدن فلوريدا وذهب ضحيته 17 قتيلاً وعشرات الجرحى، لم تُطرح فكرة العودة إلى الهيئة التشريعية لإصدار قانون يحد من قدرة الأفراد على شراء السلاح. فالرأي العام ووسائل الإعلام على بيّنة من الصلة الوثيقة بين الأكثرية في مجلسي الكونغرس وبين جماعات الضغط النافذة وأهمها «جمعية البندقية الوطنية» على نحو يجعل أي طلب لوضع حدود جديدة على تسلح الأفراد، مجرد إضاعة للجهد والوقت.

أكثر ما يثير الاستغراب في جريمة باركلاند الأخير، أن ما من شيء غريب فيها وأنها كانت متوقعة، بل منتظرة، في ظل عدد من العوامل التي تبدو ثابتة ودائمة في السياسة والاجتماع الأميركيين. القاتل ذو الخلفية النفسية والعائلية المضطربة، الإشارات على مواقع التواصل الاجتماعي عن عزمه على ارتكاب عمل يلفت الأنظار إليه. العلاقات السيئة بينه وبين محيطه. الولع بالأسلحة وامتلاكها مع ذخائرها. كل هذه المعطيات ترسم صورة لقاتل جماعي محتمل، بل كامن وفي حالة استعداد للانفجار.

البنية القانونية التي يستند إليها أنصار ترك السلاح مباحاً للجمهور، والتي تعود إلى القرن التاسع عشر عندما كانت أكثرية الأراضي الحالية للولايات المتحدة مجاهل تسودها الحرب على السكان الأصليين، وسط صراعات بين المستوطنين البيض على الموارد والأراضي، جددت نفسها بدعوى «خصائص» الحرية الفردية الأميركية وحق المواطن في الدفاع عن نفسه وعن ممتلكاته، بل ومواجهة الدولة إذا مالت هذه الى الطغيان. ويلتقي هذا المزاج مع ذاك الذي تصدى لبرنامج الرعاية الصحية ونجح في نزع الحماية الطبية عن ملايين الأميركيين قبل شهور، بذريعة «حق الفرد في اختيار» النظام الصحي الذي يلائمه، في ترجمة شديدة التطرف للحق في الاختيار ولا تخدم في واقع الأمر إلا تحالف شركات التأمين الكبرى.

هذا الجو من الشطط في الدفاع عن الحقوق الفردية هو ما جعل أحد المدافعين عن تعميم السلاح يقول بعد هجوم سابق على مدرسة إن الحل يكون بوجود «مسلح طيب في المدرسة يتصدى للمسلح السيء». أي أن مكافحة انتشار السلاح هي في المزيد من نشره، حتى يظهر «المسلح الطيب» ويتغلب على نظيره «السيء»، ويحمي تلامذة المدارس والمصلين في الكنائس من هجوم دموي ينهي حيواتهم على غفلة.

على الرغم من السذاجة الظاهرة في فكرة «تسليح الأخيار» لمواجهة الأشرار، إلا أنها تعكس الفارق القائم بين مصالح المواطنين العاديين المعرضين للقتل في بلد تسقط فيه النسبة الأعلى من ضحايا الجرائم بالأسلحة النارية في العالم، وبين مصالح السياسيين الذين يمثلون هؤلاء المواطنين ولا يستطيعون خوض حملاتهم الانتخابية من دون التقديمات والمساعدات السخية من مجموعات الضغط المؤيدة لبقاء السلاح سلعة متاحة للجميع. إحصاء حديث أظهر أن 64 في المئة من الأميركيين يؤيدون مزيداً من الرقابة على من يرغب بشراء السلاح. لكن هذه النسبة تتضاءل بشدة عند نقل المسألة إلى قاعات الكونغرس.