قيس قاسم 

يثير برنامج «أصدقاء العالم» السويدي الإعجاب والإدهاش في آن، كونه يجمع أكثر من فكرة في إطار واحد، ويقترح تقديمها بأسلوب مبتكر، غير مألوف، بدءاً من مقدمه؛ إميل الصبي السويدي الأصم، البالغ من العمر 11 عاماً. إذ يذهب الفتى في كل حلقة إلى مدينة ما في العالم، يدفعه الفضول للتعرف فيها على حياة أمثاله المحرومين من نعمة السمع والنطق، وعبر معايشته لهم مدة من الزمن يقدم معلومات سياحية إلى جمهوره عن البلد. والغريب أن البرنامج رغم جوه الطفولي فأنه موجه إلى الجميع لتناوله جانباً من حقل السياحة واستكشاف المدن وجمالياتها، ذلك العالم المحبب للكبار كما الصغار. والأكثر مدعاة للمتعة فيه أنه لا يميل إلى «الحفر» لإظهار السلبيات بمقدار ما يتوافق مساره مع بساطة عالم الطفل إميل وبراءته.

في حلقتين منه يزور الصبي الأصم المفعم بالحيوية مدينتي الدار البيضاء وتطوان المغربيتين، وخلال جولته في شوارعهما وأزقتهما وزيارة مدارس الأطفال الصم فيهما، يقدم صورة بانورامية أكثر فعالية من بعض البرامج الدعائية كونه يبعد القصدية منها، ويتركها كما هي بلا تزيين ليراها المشاهد ويتفاعل معها، كما هو يتفاعل في الحقيقة معها.

من أمام مسجد الحسن الثاني الكبير، ينقل إميل بلغة الإشارة (مصحوبة دائماً بدبلجة صوتية، إضافة إلى نص مكتوب) تفاصيل المشهد ويقدم نبذة عنه وعن قدرته الاستيعابية وحلاوة المناظر المحيطة به كونه يقع بجوار البحر وبمواجهة الكورنيش ويعد تحفة معمارية عالمية، بعدها يدخل إلى أسواق المدينة ويتوقف عند الكثير من محلاتها ليسأل باعتها عن بضاعتهم ويدخل مطاعمها.

الحياة اليومية في الدار البيضاء، بعين الضيف الوافد إليها، يختصرها الطفل بأعلى درجات الكثافة الواصلة مضامينها الحلوة الى المتلقي بسهولة. بعينيه يرى الدار البيضاء مدينة مسالمة وادعة حلوة، الشمس الدافئة تغطيها ويرى أهلها طيبين يعاملون الغريب بلطف وود. ومثل أي صبي فضولي يستعجل الذهاب لمقابلة أقرانه في مدرستهم فقد سمع عنهم قبل أن يصل ويريد معرفة تفاصيل حياتهم.

في الجمعية المغربية للأطفال الصم يقضي أياماً ويصاحب طفلاً اسمه طه من عمره. يعبر إميل عن صعوبة فهمه ما يجري في الصف لجهله العربية واختلاف رموز حروفها في لغة الإشارة العالمية، لكنه يبدأ بالتكيف والفهم بمعونة مدرسات يتمتعن بصبر وفهم لعملهن في حقل مختلف عن بقية حقول التربية. يبدو المكان نظيفاً والصفوف جيدة التأثيث. يداوم الطلبة بنوبتين صباحية وبعد الظهر ويتناولون وجبة الغداء داخلها. يشرح له طه وبقية الطلبة نوع الأكل المقدم ويجده شهياً لكنه ليس بالنوعية ذاتها، التي أعدتها له والدة طه في منزلها. تستقبله العائلة وترحب به وتعد له الحلويات والشاي الأخضر بالنعناع. يحبها الطفل السويدي كثيراً ويظل يردد ما «أطيبها». أثناء زياراته المدرسة وبيوت أصدقائه الجدد يقدم الصبي السويدي، وبطريقة غير مباشرة، أفكاراً وانطباعات عميقة شديدة الصلة بالمواقف الخاطئة الجاهزة ضد العرب والمسلمين، ولكن دون قصدية بل كانت تأتي ضمناً في سياق نقل انطباعاته عما يشاهده هناك، فالناس كما يلاحظ لا يميزون بين الأجناس والديانات ولا يكرهون المختلف عنهم بل يرحبون به ويستقبلونه في بيوتهم كما لو كان واحداً منهم!

كل زيارته يطغى عليها تلك الروح المتسامحة الطيبة، فالناس وخصوصاً الأطفال لا يعرفون الكراهية ولا يصنعونها بل تأتي للأسف دوماً من خارجهم. وبهذا المعنى يكرس البرنامج أفكاراً إنسانية، إلى جانب الدعاية السياحية المجانية والمتعة التي يوفرها مقدم لبق عفوي لا يمكن إلا التفاعل معه والبقاء حتى نهاية كل حلقة من حلقاته.

من المفارقات أنه وبقية الأطفال يجتمعون على حب الحلويات ويختلفون في بقية المأكولات الوطنية والقومية، فحين كان يقدم لأصدقائه المغاربة بعد كل زيارة لهم أكلات ونماذج من الأطعمة التقليدية السويدية كانوا يتفقون على إعجابهم بالحلويات وعدم استساغتهم بقية الأكلات الشديدة الخصوصية.

من جوانبه المثيرة للتعاطف، أسئلته «الخاصة» لأصدقائه وأجوبتهم المعلنة عن رغبة الصم في عيش حياة عادية مثل غيرهم. يريدون الزواج وانجاب الأطفال والحصول على عمل. من فوائد برامج تدريسهم الخاصة توفير الجهات المسؤولة لهم فرصاً للدراسات المهنية إلى جانب الدراسة العادية، وكما في الدار البيضاء كان الوضع مشابهاً تقريباً في تطوان مع فارق أن فتاة تدعى يسرى ستلازمه رحلته فيها. تأخذه يسرى معها إلى بيتها، ومن هناك سيشاهد ساحل المحيط وجمال البيوت البيضاء. يعترف إميل بعفوية: «لم أكن أنتظر كل هذه المدن والشوارع. تصورت المغرب صحراء لكنني وجدتها مدناً وحواضر رائعة الجمال». بصحبة شاب من أبناء المدينة يتجول كما في الدار البيضاء في أسواقها، ويتمنى شراء مزيد من المعروض فيها. أثناء انتهاء زيارته للمغرب قال: «كم أحببت هذه البلاد المشمسة، لا أريد العودة إلى السويد أريد من والدي المجيء إلى هنا والعيش فيها إلى الأبد».