ناصر الحقباني

قال إنه يعرف أسرار المجاهدين إبان الحرب الأفغانية ضد الاستعمار الروسي، خصوصاً المتورط في مقتل عبد الله عزام زعيم المجاهدين آنذاك، إلا أنه قرر عدم الإفصاح عنها، إلا في الوقت المناسب، خوفاً من ظهور فتن. كان يتنقل مع رموز الجهاد والقادة الميدانيين في ساحة القتال، يوجه معاونيه في التصدي من جهة، وتسهيل أمور المجاهدين والمهاجرين من جهة أخرى.

عبد رب الرسول سياف رئيس الاتحاد الإسلامي الأفغاني، ولد في مدينة بغمان في كابل 1944، زامل عدداً من قيادات الجهاد الأفغاني، أبرزهم أسامة بن لادن، لكنه تصدى لـ«طالبان» حينما احتلت كابل سبتمبر (أيلول) 1996، وعلم حينها أن بعضاً من زملائه كان ينضمون لتنظيم طالبان، مثل بن لادن، الذي استضافه في الثمانينات بمحافظة بكتيا (جنوب شرقي أفغانستان)، وبقي في شمال أفغانستان يسعى لتطهير بلاده من «طالبان».

يكّن سياف في حوار لـ«الشرق الأوسط» خلال وجوده في الرياض، محبة وتقديراً لأحمد شاه مسعود، ونصحه أمام ثلاثة من المقربين لمسعود، بعدم مقابلة الصحافيين اللذين أجريا معه المقابلة، ثم اغتالاه بقنبلة خبئت في كاميرا المصور، ولم يعلم عن أحداث 11 من سبتمبر إلا في اليوم الثاني، بسبب انشغاله في حادثة اغتيال رفيق دربه مسعود قبل ليلتين من أحداث نيويورك.

وعلى الرغم من أنه متكئ على أريكة في أحد فنادق العاصمة السعودية، فإنه يرى سنوات الجهاد الأفغاني، وكذلك الحرب ضد «طالبان»، ووصفها بالأحداث الصعبة، وكيف أنشأ جامعة الدعوة الإسلامية، وكيف شق مساعدوه غاراً في الجبل يضم 30 شخصاً من فريقه.

طلبت منه أن أجري مقابلة معه حينما كنت في أفغانستان نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2016، إلا إن الإجراءات كانت مشددة حول الطريق إلى منزله في بغمان، بسبب محاولات لاغتياله، وقال لي: «زرعت قنابل في الطريق التي أسلكها، وتعرضت إحدى سيارات الحراسة معي لانفجار لغم راح ضحيته خمسة من المساعدين»، وقبل فترة تعرض منزله لصواريخ، كل هذا بسبب صوته المرتفع ضد الإرهاب والعمليات الانتحارية.

- بداية دعني أسألك ما حقيقة وجود «داعش» في أفغانستان مع وجود فلول «القاعدة»؟

- برأيي تنظيم داعش، موجود في أفغانستان، حيث كانت بداية التنظيم في المحافظات الشرقية، وكانت عناصره متشددة في تعاملهم مع الناس ويضايقونهم، لا سيما أن المعارك جارية، ثم انتقلوا في الوقت نفسه إلى المناطق الأخرى، وأرى أن «داعش» في أفغانستان، هو امتداد لـ«طالبان»، لأن عناصر التنظيم الذين كانوا مع «داعش» في الأساس كانوا مع «طالبان»، حيث وضع هذا المسمى (داعش) عندما كانوا في العراق وسوريا، فهذا الاسم لا ينطبق هناك، فهم يحملون الفكر دون المسمى، فهناك ناس تحت هذه الراية يقاتلون الشعب الأفغاني، ومع الأسف أشداء مع بني جلدتهم، والآن الجيش الأفغاني في معارك شديدة معهم في جميع الميادين، والخلايا موجودة من حين إلى آخر، وتعمل على تنفيذ أعمال إرهابية ضد المدنيين.

- عرف عنك انتقادك اللاذع خلال السنوات الماضية للجماعات المتشددة، برأيك كيف يمكن التخلص من هذه التنظيمات التي شوهت صورة الإسلام؟

- مع الأسف هذه الجماعات التي تعاملت بالعنف مع المدنيين بشدة، وقتلت الأطفال والنساء والشيوخ، أعطت صورة غير صحيحة وسوداوية عن الإسلام، فيؤلمنا أن كثيراً من الأعمال تتبناها تنظيمات تحت مظلة الإسلام، وهذا الأمر نوع من الجفاء الشديد مع الإسلام نفسه، وهذا النوع من الجفاء الشديد مع الإسلام نفسه، وكيف نتخلص منه، يحتاج إلى تفهم الموضوع ومعرفة هذه التنظيمات بصورة دقيقة ومصادر تمويلها، واتحاد الأمة الإسلامية على كلمة واحدة للتخلص منها.

- ما هي مصادر تمويل التنظيمات في أفغانستان؟

- بصورة عامة هم أعداء الإسلام، وأعداء أفغانستان، قاموا بتنفيذ العمليات التي تعادي أفغانستان، ولا يريدون لكابل كدولة قائمة على أسس الجهاد أن تكون آمنة ومستقرة وثابتة، لذلك يضايقوننا ولا يسمحون لنا أن نأخذ نفساً من الراحة، ونفكر في بناء الدولة.

- هل المضايقات كانت من دول الجوار؟

- معظمها من الدول المجاورة، وبعض تلك الدول بوابة لهذه المؤامرات، ولم نتوقع أن جيراننا يتعاملون معنا بهذه الطريقة، نحن نريد أن نعيش مع جيراننا بحسن الجوار، وفي أجواء تسودها الود والإخوة والصداقة، دون أي سوء من أي جار، ونأمل من دول الجوار أن تحمل مثل عواطفنا وأحاسيسنا، وفق ديننا وعقيدتنا.

- ماذا سيكون الرد الأفغاني في حال أرادت تلك الدول سوءاً بأفغانستان؟

- هذا السؤال يستحق أن يوجه لهم، ولكن إذا اعتدي علينا، فإن غيرتنا وتاريخنا لا يسمح لنا بالسكوت، حتى لو كلفنا الأمر ضحايا.

الشعب الأفغاني صمد في وجه الاستعمار الروسي على أفغانستان، وكلفه ذلك مليون ونصف المليون قتيل، وأكثر من مليون أصيبوا بإعاقة جسدية، إضافة إلى 8 ملايين مهاجر.

نقول لإخواننا خيارنا الود والإخاء، فإذا كان خيارهم عداءً وخصومةً وأجبرونا على هذا، فنحن مجبرون على الدفاع عن أراضينا، وأن نصمد في الميدان، وأن نمكن خنادقنا، حتى لا يتمكن من يريد العدوان علينا من الوصول إلى أهدافهم ومقاصدهم.

- ما هو الدور التي تتطلع له في المستقبل لإعادة الاستقرار والأمن إلى أفغانستان، خصوصاً أن لك نفوذاً بين حركات وجهات مناهضة لـ«طالبان»؟

- أنا أحب أن أعمل كجندي مجهول، ولا أريد كنية حول هذا الأمر، أو أن ألعب دوراً سياسياً معلناً، هناك شعب مع كل هذه الأحداث لا يزال يلتف حول المجاهدين، وأريد أن أخدم البلد كجندي مجهول، ولا أرغب الاحتلال في أي مكان رسمي، ولكن سأسعى لتحقيق الأمن والاستقرار في البلد.

- لكن الخلافات لا تزال قائمة؟

- نحن بصدد فتح الطريق للحوار وإقناع الناس لحل الاختلافات، ولا نرغب في استمرار المعارك ومواصلتها، حيث أرغمنا وفرضت علينا، ونحن مضطرون أن نصمد أمام الذين يعتدون علينا، وفي الوقت نفسه بجانب الصمود، نحاول أن نقنعهم ونبعث لهم رسائل، مفادها أن استمرار المعركة ليس في الصالح العام.

في بلادنا لدينا مجلس باسم «شورى الحراسة»، وهناك أيضاً مجلس التفاهم بين التيارات السياسية، وهو أوسع دائرة من الأول، ونسعى خلال الاجتماعات لتهيئة الظروف لإحلال السلام في أفغانستان، وإقناع المخالفين باستخدام لغة السلام، بدل لغة فوهة البنادق والبارود والمدافع.

- لماذا تفرض «طالبان» خلال الفترة الماضية أحداثاً إرهابية في أفغانستان، ومن يمولها؟

- هذه الأحداث مؤسفة ومقلقة كثيراً، وتتقطع القلوب لها، وعيون الناس في أفغانستان تتقطر دماً حينما يشاهدون هذه العمليات المجرمة. أنا باعتقادي أنهم تلقوا ضربات قوية في مخابئهم وميادين القتال، وأرادوا أن يظهروا للعالم أنهم لا يزالون أقوياء.

- إذاً من يدعمهم لأجل أن يبقوا أقوياء؟

- هذا الأمر لا ينكره أهل إيران، وهو الاتصال مع «طالبان»، حيث إن هناك تقارير عن هذا الدعم، ووجود بعض «طالبان» في إيران.

- إذا كانت إيران على تواصل مع «طالبان»... ماذا عن مكتب «طالبان» في قطر؟

- خالفنا وجود هذا المكتب في قطر، وهو لا يمثل الفئات المختلفة من «طالبان»، وقد يمثل جانباً من «طالبان»، حيث من يعمل في الدوحة من «طالبان»، لهم اتصالات وتنقلات إلى بعض البلدان، لكن في النهاية هم غير مفوضين من قبل جماعات «طالبان»، وما يصدر عن هذا المكتب من قرارات ليس نهائياً.

- ما هي أسباب معارضتكم لوجود هذا المكتب في الدوحة؟

- أفغانستان لها حكومة ومعروفة لدى الجميع، ونتوقع من كل الدول أن تتعامل مع الحكومة الموجودة في أفغانستان، فلا داعٍ لإتاحة المجال لمن يريد رفع راية المخالفة، والعدوان ضد الشعب الأفغاني.

- ماذا كانت أدواركم في سنوات الجهاد ضد الاتحاد السوفياتي؟

- أيام الجهاد الأفغاني، كانت أعمالنا مع المهاجرين في توفير المخيمات وتجهيز مقر للدراسة وبعض المهن الحرفية، وكذلك مع المجاهدين في الجبهات، فأوقاتنا كانت مقسمة بين هذا وذاك، والأمر الأهم أننا أيام الجهاد كان يأتي متطوعون من كل مكان للمشاركة في القتال ضد الاتحاد السوفياتي، لكن ترتيب التنظيمات آنذاك، كان قوياً جداً، بحيث لم يتمكن أحد من العمل خارج أفغانستان أو إيذاء أي فرد من البشرية، والتاريخ لم يسجل حادثة واحدة أو عملية منذ الجهاد الأفغاني حتى سقوط كابل بأيدي «طالبان».

- هل كانت هناك عمليات انتحارية خلال الجهاد الأفغاني؟

- أبداً... لأن قتل النفس محرمٌ شرعاً، وقبل خمس سنوات ارتفع صوتي في اجتماع كبير بكابل، عندما أعلنت أن الأعمال الانتحارية محرمة شرعاً، طبعاً هذا الأمر كلفني الكثير، وزادت محاولات عمليات اغتيالي.

- من كان يزودكم بالأسلحة؟

- في بداية الجهاد لم يكن لدينا شيء، ولكن عندما بدأت قوتنا، وشاهد العالم أن بإمكان أفغانستان الدفاع والثبات أمام الاتحاد السوفياتي، وصمودهم، بدأ العالم يشعر بنوع من المسؤولية في تأييد المجاهدين، وبعضهم أيدوا سياسياً ومادياً.

- كيف بدأت ظهور التنظيمات الإرهابية بدءاً من «القاعدة» وحتى الآن؟

- بعد سقوط «طالبان» في كابل، اتجهنا إلى الجبال شمال أفغانستان، وكنا نفكر حينها في إعادة أفغانستان إلى الوضع الطبيعي، إلا أن المجال كان متاحاً لمن يريد أن ينشئ تنظيماً مسلحاً، وكان هذا بعيداً عن سيطرتنا ورؤيتنا.

- كيف كانت علاقتك مع أسامة بن لادن؟

- أعرفه جيداً، ولكن بعد سقوط كابل ذهبنا للشمال، وهو بقي في كابل في الساحة التي تسيطر عليها «طالبان»، حيث غادر بن لادن بعد الجهاد الأفغاني إلى السودان، وأنا كنت حينها في قرية بغمان.

- هل «طالبان» صنيعة باكستانية؟

- هذه الحركة تأسست في باكستان، وحينما بدأت «طالبان»، أيدتها باكستان، وبعد أن استولى التنظيم - أي «طالبان» - على كابل، كانوا يحكمون العاصمة الأفغانية من وراء الستار، حيث أصبحت كابل يحكمها غيرهم.

- متى تعرفت على بن لادن؟

- كنا في مناسبة خارج أفغانستان، وكان يوجد معنا في المناسبة نفسها عبد الله عزام، وتعرفت عليهما معاً، وبعدها بسنتين أو ثلاث كنت في محافظة بكتيا (جنوب شرقي أفغانستان)، وزارنا بن لادن ومعه سبعة أشخاص لا أعرف أسماءهم، وبقوا معنا شهوراً، ثم سافروا وعادوا مرة أخرى، وكنا نوجد في خندق واحد مع المجاهدين، حتى تحررت أفغانستان من الاتحاد السوفياتي.

كان مع بن لادن ابنه عبد الله... وكان صغير السن، ولم تكن له مهام، مجرد كان يقضي وقته معاً في نفس الخندق، أما بقية أفراد أسرته فلم يأت بهم في ذلك الوقت، حتى حمزة لم أسمع عن اسمه في ذلك الوقت، ولم أشاهده.

- ماذا كان دور بن لادن؟

- كان معه مجموعة من الأشخاص يبيتون في خندق واحد، كنت أشاهده في أكثر الأوقات يقود البلدوزر (جرافة) وهي إحدى المعدات الثقيلة التي تساهم في شق الطريق بالجبال لتسهل عملية تنقل المجاهدين عبر سياراتهم.

- من اغتال عبد الله عزام؟

- عبد الله عزام رجل لم يجلب لنا المشاكل، ولم يقم بأعمال تخالف الجهاد والمجاهدين، وكان صريحاً في بياناته، وعندما يعرف قضية معينة يبدي رأيه فيها.

لكن كانت هناك أيدٍ خفية كثيرة تتسارع لقتله، ولديَّ الكثير من الحقائق والشواهد حول عدد من أسرار الجهاد، بينها مقتل عزام، سأرفع الستار عنها في وقتها، تحسباً لظهور فتن جديدة.

- هل كنتم تتوقعون اغتياله؟

- هو نفسه كان يتحسس في آخر أيامه، وفاتحني في الموضوع، وقبل مقتله بشهرين، أرسلته إلى إحدى الجبهات الآمنة، حتى يكون بعيداً عن وصول الأيادي الخفية إليه، لكن حينما عاد إلى بيشاور قاموا باغتياله.

- تربطك صداقة مع أحمد شاه مسعود... هل كان يأخذ برأيك؟

- كان رجلاً مجاهداً وصامداً، ولقّب بـ«البطل»، وكنا مع بعضنا في شمال أفغانستان، وكان يستشيرني باستمرار، لكنه لم يقبل بنصيحتي بعد اشتباهي بالصحافيين.

- هل نصحته بعدم إجراء اللقاء مع الشابين؟

- كان آخر لقائي بأحمد شاه مسعود، قبل 15 يوماً من اغتياله، وطلبت منه عدم الالتقاء بالصحافيين، بسبب اشتباهي بتحركاتهما التي تثير الريبة، وفي حال قرر الالتقاء بهما، شددت عليه أن يُفتشا تفتيشاً دقيقاً وكذلك المعدات التي كانت معهما، ونصحته أمام ثلاثة من الأشخاص، الذين يثقون به دائماً. كان معه محمد قسيم فهيم، والوزير باسم الله محمدي الذي لا يزال على قيد الحياة، وأحد المجاهدين يحمل جهاز الاتصال.

فرح مسعود بهذا النصح، وقال لي «أحسنت لأنك أخبرتني»، إلا أن القدر فوق كل شيء.

كنت على تواصل مع أحمد شاه مسعود، عبر الهاتف، وقبل ليلتين من عملية اغتياله، اتصل عليَّ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، واستشارني في بعض الأمور بالاتصال مع أحد القادة في محافظة بغمان حول آلية التعامل معه من عدمه، وفي الليلة التي استشهد فيها، كنت أتحدث معه الساعة العاشرة مساء، وكان مسعود في محافظة تخار، وأنا كنت في كابيسا شمال كابل، حيث كانت وقتها «طالبان» استولت على نقطة استراتيجية هناك، وطلب مني خلال الاتصال أن يُوجه الميدانيون لاستعادة النقطة في هذه الليلة، وإلا يصبح الوضع صعباً، وتسيطر «طالبان»، ويستعدون في الخندق، وبالتالي لن نستطيع إعادة النقطة، فأمرت القادة الميدانيين بالتجهيز لاستعادة النقطة الأمنية، لكن مع الأسف قبل بدئهم العملية حدث هناك انفجار واستشهد فيه مسعود.

- ماذا تقصد بتحركات الصحافيين المريبة؟

- من يجري أي حوار، لا بد أن يدقق كثيراً في جذور الموضوع، ولكنهم كان يتحدثون بصورة عامة، والشخص الذي يحمل الكاميرا كان يجر رجليه وراءه، كأنه يحمل شيئاً ذا وزن ثقيل، وغرضهم من اللقاء عمل فيلم وثائقي لإظهار عمل القيادات في شمال أفغانستان للعالم، ووجودهم على خط الدفاع دون الاعتداء على أحد.

كان الصحافيون موجودين في مديرية بها الدين، مركز الضيافة، تبعد قليلاً عن مكان وجود أحمد شاه مسعود، وكانت لديه لقاءات مع القادة الميدانيين، وأثناء مروره بجانب مقر الضيافة، أبلغ بأن هؤلاء الصحافيين متضايقون من طول الانتظار، ويريدون إجراء اللقاء أو المغادرة، بعدها عاد إليهم ثم وقع الانفجار.

- هل كنتم على علم ببعض العمليات الذي تنوي بها التنظيمات الإرهابية؟

- لا إطلاقاً... حادثة استهداف أميركا في 11 سبتمبر، كنا قبلها بليلتين مشغولين في حادثة اغتيال أحمد شاه مسعود.

- هناك من اتهمك أخيراً بانتمائك لجماعة الإخوان المسلمين؟

- حركة الجهاد الإسلامي في أفغانستان وليدة كاملة في أفغانستان ومستقلة، وليست مستوردة، وهذا لا يعني أن المجاهدين في أفغانستان لا يطلعون على الحركات الإسلامية الأخرى وعلى كتبهم، وجمعية النهضة الإسلامية في أفغانستان ليست فرعاً لأي مجموعات في العالم وأي حزب، هي أفغانية مستقلة بذاتها، ولا تمت بصلة تنظيمية لأي حركة أو مجموعة في العالم.

ومن يتحدث بأن جمعية النهضة الإسلامية في أفغانستان، متشعبة من أي مكان في العالم، أو مؤسسة من قبل أي مجموعة في العالم هذا غير صحيح.

- هل تعرضت لمحاولة اغتيال؟

- تعرضت لعشرات من محاولات الاغتيال، بسبب أنني شديد في مقابلة جميع من يرعبون شعبنا، تعرضت لصواريخ على منزلي وزرعت ألغام في الطريق التي أسلكها شبه يومي، وأصبح منزلي محاصراً بحراسات مشددة معظمها من الدولة، وأكثر من 30 وظفتهم لحسابي بمرتب رمزي 375 دولاراً شهرياً.

- متكأ الآن على أريكة، وبجانبك تولة عود، وقبل ذلك مرتاحاً في منزلك، هل تتذكر وقتها اللحظات العصيبة في سنوات الجهاد؟

- في آخر أيامنا قبل سقوط الحكومة الشيوعية في كابل، كان هناك جبل اسمه شمشاد على الحدود مع باكستان، في هذا الجبل كان يوجد مقر قيادة تحت تصرفي، تقريباً في عام 1980، وكنت أبيت هناك، بعد أن حفرنا غاراً كبيراً داخل الجبل، ويسع ذلك المكان نحو 30 شخصاً، وعندما تزورني بعض الوفود، كانت لهم غرفتان عند بوابة الغار لراحتهم ومبيتهم، ونتناول الطعام في نفس مكاننا، كانت الحياة صعبة جداً.

- كم استغرق حفر الغار من الوقت؟

- كان سهلاً جداً، استطعنا خلال شهر واحد إنهاءه، وكان لنا مقر مستشفى، في مكان ثانٍ، تحت جبل في مقاطعة جاجي جنوب أفغانستان، يحوي غرفاً داخل الجبل للأطباء والعمليات الجراحية والإنعاش الكبدي وللمجروحين والمرضى، وكذلك مخزن الأدوية والصيدلية.

- هل كنتم تشعرون في داخل الغار بضيق في التنفس؟

- كان طبيعياً حسب ما اعتدنا عليه، لكن في حال تعرضنا لقنابل، نواجه إشكالية نقص الأكسجين بسبب الضغط التي تولده القنبلة، ونشعر بضيق في التنفس، ومشاكل صحية أخرى.

كنا نقضي معظم وقتنا خارج الجبل في مواقع مختلفة للحراسات والأسلحة المضادة للطائرات والمدافع، ووجودنا في داخل الغار عند النوم والأكل.

- ما سبب زيارتك إلى السعودية؟

- كانت لدي لقاءات مع بعض مشايخ الدين، وكذلك لأداء العمرة. السعودية بلد مسلم تربطنا بها أواصل العقيدة والإسلام، ووجود الحرمين في هذه الديار يزيد الاشتياق إليها ورغبة المسلمين في الزيارة، ولا سيما لرجل مثلي، فالظروف والمشاكل التي كنا نعاني منها حالت بيننا وبين زيارة السعودية لمدة ثلاثة عقود.

وقبل هذا كنت تسلمت جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام من الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، وبالفعل أبلغت الملك فهد حينها، أن هذه الجائزة، لا أستحقها لأن هناك خلفي شعباً وقف وصمد ضد العدوان، وهذه الجائزة للشعب، وتسلمتها بالنيابة عنهم.

- كرجل دين... هناك من يسعى إلى تدويل الحرمين الشريفين؟

- مناسك الحج والعمرة تحتاج إلى أجواء من الثبوت والاستقرار والرعاية التامة، والحمد لله في السعودية الأجواء مساعدة ومطمئنة لجميع زوار بيت الله، والمسلمون يؤدون مناسكهم بكل اطمئنان، ونعتبر قضية التدويل نوعاً من القلق الذي يساور قلوب هؤلاء الذي يريدونها.

- ما هو ردكم على ذلك؟

- هناك نوازع سياسية تسعى لذلك، ولكن أنا كمسلم أرى الخير في دوام الأجواء التي تقدمها السعودية في خدمة ضيوف الله الحرام.

هناك نوازع ودوافع لمثل هذه الأغراض، ويمكن أن تكون سياسية، وأنا كمسلم أرى الخير في دوام الأجواء والرعاية التي يتلقاها الحجاج والمعتمرون، وليست هناك أي مشاكل تدعو إلى قضية التدويل.

- حصلت على شهادة الماجستير من جامعة الأزهر... حدثنا عن ذكرياتك في مصر؟

- مدة إقامتي في مصر ذهبت للحصول على الماجستير وأقمت سنتين، منها ستة أشهر في القاهرة، و18 شهراً في القسم الداخلي بمدينة البحوث الإسلامية، وعندما انتهيت من دراستي سجلت خطتي في كتابة الدكتوراه، وتم الموافقة عليها، ولكن طلب مني بعض الأصحاب العودة إلى أفغانستان في ذلك الوقت الذي كثرت فيه التيارات اليسارية، وعدت وأنا أحمل نية إكمال الدكتوراه، لكني بقيت في السجن ست سنوات، بعدها ذهبنا إلى الجبال للدفاع عن البلد، قرابة عقدين من الزمن بقينا في السجن وعلى الجبال.