سمير عطا الله

 احتفلت «المصري اليوم» بصدور خمسة آلاف عدد منها خلال ما يزيد على 13 عاماً. وبينما تبدو دلائل التعب على الصحافة الورقية، لا تزال هي تزداد ازدهاراً. ما هي قواعد النجاح في الصحافة؟ كثيرة، أهمها بالنسبة إليّ، الاحترام والثقة. لا أستطيع أن ألمس صحيفة لا أحترمها، ولا أن أقرأ سطراً ملوثاً.

تزداد أهمية الجريدة عندما تتمتع بالثقة والاحترام ومعهما سعة الانتشار. عندما أنشأ الراحل نبيل خوري مجلة «المستقبل» في باريس في السبعينات، كان شعارها «نخبة الكتّاب، نخبة القراء». انتقى من استطاع من أبرز الكتّاب العرب، وقدمهم في مزهرية واحدة. قبله كان محمد حسنين هيكل قد جمع في «الأهرام» كبار أدباء مصر، بحيث بدت وكأنها «جمعية أهل القلم» بكامل أعضائها.
تروي فاطمة اليوسف في مذكراتها أنها اقترضت موازنة إضافية لكي تستطيع أن تؤمن انضمام عباس محمود العقاد إلى «روزاليوسف» من العدد الأول. وقيل لها إنه لن يقبل العرض. فقالت إنه عندما يعلم أنه 80 جنيهاً في الشهر، سوف يقدم سلسلة مقالات مسبقاً.
مشكلة مصر - وأهميتها - أنها مكتفية ذاتياً. لذلك عندما توزع الصحيفة مليون نسخة في اليوم، فلماذا تتكبد تكاليف التوسع بلا جدوى اقتصادية. وعندما حدث وتوسعت في طبعات خارجية، ظل هدفها الأول القارئ المصري. ولا يزال هذا الوضع قائماً. فلا فسحة كافية في صحف مصر لغير مصر وشؤونها وكتّاب هذه الشؤون.
فالقاعدة أن كل قضية مصرية قضية عربية، بينما ليست كل قضية عربية قضية مصرية. ومن نتائج هذا الواقع، أن كتّاب مصر لم ينصرفوا إلى الشؤون العربية إلا قليلهم، بينما كتب العرب الآخرون في جميع الشؤون. وتضم «المصري اليوم» أكبر لائحة من الكتّاب، يركز معظمهم على مصر غير ملومين. غير أنها لائحة مهنية نادرة في أي بلد آخر. وصفة هذه المجموعة الالتزام بأكبر قسط ممكن من المهنية والجد. وتضاف إليهم كل يوم زاوية مليئة بالتأمل العلمي والصراحة الوطنية، موقعة عن حق بإمضاء «نيوتن». وقد يمنعني سبب ما من قراءة كاتب ما في «المصري» أو في «الأهرام» أو في «الشروق»، لكنني أعود إلى «نيوتن» ولو بعد وقت. وكذلك إلى بريده المليء عادة برسائل من شخصيات مصرية معتبرة وذات خبرة عالية في مناقشة قضايا الناس والبلاد.
من أبرز أخلاقيات «المصري اليوم» تعاملها مع الصحافة والصحافيين الآخرين. ويطالب الزميل محمد أمين بعودة الكاتب الكبير إبراهيم سعدة بعد «نفي» استمر سبع سنين. وأضم صوتي إلى صوته وأصوات جميع الزملاء الذين يناشدون الرئيس السيسي اتخاذ هذا القرار. المسألة ليست حكماً قضائياً، بل حكمة مصر.