يسرا سلامة

شجع عدد من مبادرات في المجتمع المدني المصري، مجموعةً من السجينات السابقات، على حكي تجربتهن وقصصهن خلف القضبان، من خلال عرض فني بالقاهرة يستخدم حواس السمع والإبصار فقط.

وتحت شعار «المكان ده» (هذا المكان)، نظم مشروع «بصي»، وهو مشروع فني يقوم بتوثيق تجارب السيدات والرجال في المجتمع، ورفع الوعي حول مشكلات النوع الاجتماعي من خلال الحكي المسرحي، تجربة جديدة للاستماع إلى السجينات، من خلال رحلة صوتية لقصص 11 سجينة.

ويسمح العرض للمشاهد بالاندماج معه، فيحصل المشاهد على سماعات وجهاز «إم بي فور»، عليه مقاطع صوتية من حكايات عدد من السجينات، يؤديها مجموعة من الحكائين في فريق «بصي»، عن حياة السجن والوصم الاجتماعي وتأثيره عليهن في المجتمع.

ومع الاستماع إلى الصوت الأدائي للقصص، يدعو المشروع الحاضرين إلى المشي في مساحات مليئة بأجزاء وذكريات قصص السيدات، في غرف مظلمة، تقطعها إضاءة خافتة، تشبه السجن تماماً، ومكتوب على الجدران مقاطع من كلمات السجينات أنفسهن، مثل «أنا قضيت 10 أعياد ومناسبات في السجن»، و«اتعلمت إنه مبيمسحش دمعتك إلا إيديك»، و«السجن علمني أكون أقوى».

وتقول نوال مصطفى لـ«الشرق الأوسط»، وهي رئيسة «جمعية رعاية أطفال السجينات»، التي تعمل على إعادة دمج السجينات وأطفالهن بالمجتمع: «إن العرض نتيجة ورشة مدتها 3 أشهر نظمها مشروع (بصي) مع مجموعة سجينات سابقات بالتعاون مع الجمعية، وكل من جمعية الفن للتنمية، ومؤسسة دروسوس (مؤسسة سويسرية معنية بالمهمشين)، لتوثيق حالات سابقة في السجن».

وتتابع مصطفى «أن المعاناة النفسية التي تشعر بها السجينات يتم نقلها عن طريق الحكي، وهي فرصة لتسليط الضوء على قضايا النساء باستخدام الفن، ويعد هذا نوعاً جديداً لنقل تجارب النساء».

من جهتها، تقول دينا عبد النبي، المدير التنفيذي لمشروع «بصي»، إن الفكرة انطلقت من محاولة الوصول إلى فئات مهمشة في المجتمع المصري مثل السجينات، مضيفة أن هناك عدداً من المتطوعين شاركوا في توثيق حكايات قرابة 40 سجينة، تم اختيار منها 11 قصة للتسجيل والمونتاج قبل العرض.

وتابعت عبد النبي أن أسلوب الحكي والتسجيل أفضل حتى لا تتضح هوية السجينة، لأن الهدف هو إبراز معاناتها التي مرت بها فقط، كما يتضح في المساحة الحرة عدد من الأدوات التي تخص السجينات، مثل ملابسهن وأدوات الحياكة وأدوات الطعام البسيطة وفرش السجن.

وترى إيمان الليثي (صيدلانية)، إحدى حاضرات العرض، أن التجربة مميزة في عرض أزمات السيدات في السجون، وربما تتماشى مع أعمال درامية مصرية سلطت الضوء على المعاناة خلف القضبان، مثل مسلسل «سجن النسا»، وتتابع الليثي: «العرض أظهر لي تفاصيل جديدة، وتجربة السجن شعرت بها في الغرف المظلمة وسط شعاع الضوء، لم يصل لي هذا الإحساس من قبل».

وعن طريق «فيسبوك»، وجدت هبة بدر أن العرض جذاب للحضور، متابعةً أن عملها في إحدى الجمعيات الخيرية التي تهتم بالغارمات (اللاتي حُكم عليهن بالحبس لتعثرهن في سداد أموال) كان دافعاً لأن تأتي وتستمع إلى تجارب سجينات سابقات، يمكنها من التعامل معهم بشكل أفضل.

ويعتقد محمد منذر أنه على الرغم من اختلاف القصص والظروف التي أودت بالنساء إلى السجن في الحكايات، فإن ظروف المعاناة تكاد تكون واحدة بين الجدران، مثمناً ديكور العرض الذي يعتمد على أدوات السجن، ويحتوي على عدد من الكراسات المكتوب فيها حكايات السجينات.

أما مصطفى السيد فيقول إن الفكرة جديدة، للتعرف على معاناة السجينات، لكنه يرى أن التنفيذ كان يُمكن أن يكون أفضل لعرض الحكايات. وتوافقه فاطمة رشاد الرأي، إذ ترى أن الصوت لم يكن كافياً لعرض تجربة السجن.

والعرض تم على مدار يومين، أول من أمس (السبت) وأمس (الأحد)، ومتاح لمن هم فوق 18 سنة فقط، وهو مجاني للحضور، فيما وجه المشروع الشكر إلى كل سجينة «روت حكايتها بصدق وشجاعة».

ويوجد في مصر 8 سجون مخصصة للنساء، وبينما لا توجد إحصاءات عن عدد السجينات في مصر، يصل عدد الغارمات بالسجون إلى نحو 30 ألف سيدة، بواقع 25% من عدد إجمالي الغارمات وفقاً لإحصائية حديثة لوزارة التضامن الاجتماعي المصرية.