علي القاسمي

 كثيرة هي الجرائم بحق الإنسانية، الذاكرة مليئة بهذا النوع المأسوي، والغوطة ليست إلا حلقة في رصيد الإجرام الذي كلما قلنا إن ثمة تعهدات ستوقفه خابت أقوالنا، وكلما تفاءلنا بـأن الأطراف الضالعة على الدوام في مجازر التدمير والإحراق والقتل ستكون يوماً ما على طاولة المحاسبة والعقاب يذوب هذا التفاؤل ونصبح مائلين للعجز والخيبات المتتالية.

دخلت سورية في متاهة لن تخرج منها لطالما انشغل العالم عنها بسلسلة من الوعود وجمل التنظير والعجز الحقيقي عن فعل شيء يقود إلى تخيل عالم محاط بالسلام والتعايش لا غارق في الدم والإرهاب. ما تقوله خريطة الأفعال المروعة والأقوال الخجولة في أن الغوطة لن تكون سوى حلب جديدة مع فارق التوقيت والأرقام، والتفاعل العالمي حتى اللحظة هو تفاعل في صيغة استفزاز وتأجيل متقن للأمور حتى تعاد صياغة الحسابات والمصالح على رغم أن العدوانية المقروءة والمشاهدة لا يصلح أن تترك للحوار والتفاهم والإلحاح المنتهي من دون حل. الاستفزاز الذي تمارسه روسيا والخبث الذي تؤديه إيران في كل مشاريعها والعجز الذي تبدو عليه أميركا في المواجهة والتهديدات التي تنمو هنا وهناك من دون رادع ولا حكم نزيه. كل هذه الملفات تعبث بالشعب السوري وهو وحده من يدفع الثمن ويتحمل التكاليف والتبعات الباهضة لهذه الفوضى والجو الغائم واللعبة التي كثر أفرادها وإن كان الدب فيها يتلذذ بركوب العمامة واستخدمها كغطاء وظهر.

لا نوايا ظاهرة كالنوايا التي أظهرتها طهران في الملف السوري المؤلم، ولا غموض أيضاً كذلك الغموض الذي تبديه الأطراف المتهمة بالتلاعب في هذا الملف، الغموض الذي يصل بك الى الإيمان بأن القانون الدولي ليس إلا مجرد جسر كتابي للوصول الى الأهداف المتطرفة والمخجلة. التوافق العالمي إن لم يحدث في مجزرة الغوطة فالعالم موعود بمزيد من الدمار والمفاجآت والانكسارات التي لن تجبرها معاهدات مائلة ولا قوانين ورقية، اعتدنا في مضمار السياسة أن صديق اليوم هو عدو الأمس والعكس صحيح، واعتدنا كثيراً أن مصافحات الصباح لا تكفي لعمل جميل نبيل في المساء، واعتدنا مراراً وتكراراً أن الضمير العالمي يقوده المزاج بالمقام الأول ومن ثم المصالح، وهما لا يكفيان للنظر إلى المستقبل بعينين مبتهجتين أو فرحتين.

التوافق الدولي المقروء إزاء جريمة الغوطة الإنسانية قد يعيد الأمل في الضمير والوعي والنوايا التي كم تغنى بها المهتمون بحقوق الإنسان وهواة التحدث بالقانون والمبادئ وصرخوا معها بضرورة الالتزام بالقرارات التي يجود بها مجلس الأمن، والوعود التي تسوقها الأمم المتحدة على طبق من تنظير وأولويات عمل تقرأ لمرة واحدة فقط ولا يجب أن نسأل عن أي موقف عملي بعد هذه القراءة، وبكل أسى فالجحيم على الأرض دوماً ونحن نهرع نطلب النجدة بين دفتي المفاوضات ومحاولات الضغط والهدن الملتوية، على رغم أنه ليس مستحيلاً أن يقف العالم متوافقاً ولو لمرة واحدة أيضاً منعاً لتلاعبات سياسية وخيانات كبرى ومصالح مضرة لن تخلف إلا إرهاباً ونيراناً ودماءً.