زاهي حواس

 تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية»، الذي أكد أن السعودية تمتلك مخزوناً أثرياً ثقافياً يؤكد أهمية المنطقة والموقع الجغرافي وما حدث فيه من نشاط عمراني مذهل قبل آلاف السنين، وأن آثار ما قبل التاريخ في أرض الجزيرة العربية لا تزال تكشف لنا يوماً تلو آخر عن حقائق تاريخية وأثرية مهمة جداً في كتابة التاريخ الإنساني للمنطقة..

 والحقيقة أيضاً أن مناطق آثار ما قبل الإسلام والآثار الإسلامية لا تزال بكراً تنتظر معاول الأثريين للكشف عنها. وقد تأكد وجود العديد من الثقافات والحضارات التي نشأت على أرض المملكة، وكذلك وجود العلاقات مع الحضارات المعاصرة الأخرى مثل حضارات ما بين النهرين، العراق القديم، وإيران، واليمن، وكذلك حضارة مصر القديمة، وخاصة بعد العثور على نص وخرطوش الملك رمسيس الثالث في واحة تيماء، والذي يشير إلى علاقات تجارية بين مصر وحضارات السعودية منذ نحو ثلاثة آلاف عام.

يخبرنا معرض روائع آثار السعودية بمعرفة ماذا كان يحدث في عالم طرق التجارة القديمة، وكيف كانت القوافل تعبر مدن المملكة وهي مزودة بالسلاح للحماية ضد غارات من يهددون أمن طرق التجارة. واستطاعت هذه القوافل أن تكشف عن تاريخ المملكة القديم عن طريق الطرق التي تم كشفها والنشاط العمراني الممتد حولها، وقد كانت أغلب القوافل تحمل التمور والبخور والجلود والذهب والفضة وبضائع أخرى ثمينة، الأمر الذي أكد الدور المميز للمنطقة ثقافياً وتجارياً.
وامتد دور طرق قوافل التجارة إلى عصر ظهور الإسلام بشبه الجزيرة العربية، بل إن طرق التجارة هذه لعبت دوراً عظيماً في انتشار الدين الإسلامي سواء داخل شبه الجزيرة العربية أو خارجها. وأهمية ذلك تكمن في دحض مفهوم انتشار الإسلام بالسيف؛ ويكفى التدليل على ذلك بأن الإسلام عرف وانتشر في الهند والصين عن طريق التجار وليس الدعاة أو قادة الجيوش الإسلامية. وكان من الطبيعي أن تتحول طرق التجارة القديمة إلى طرق للحج بجانب التجارة، وقد ربطت هذه الطرق بمكة المكرمة، واستمر هذا الثراء حتى قام الملك عبد العزيز آل سعود بتوحيد السعودية وتأسيس المملكة الحديثة. وبالتالي يؤكد المعرض أن السعودية قد شكلت الملتقى الحقيقي للحضارات القديمة، وعلى أرضها امتزجت اللغات والكتابات المتنوعة وتبادلت التأثير، وأسفرت عن نشوء اللغة العربية المعروفة اليوم.
يستعرض كتالوج المعرض ما حدث في السعودية من اهتمام بالآثار خلال نصف قرن؛ وقد قام العالم الأثري الدكتور علي الغبان بتقديم التصور الكامل للمنظومة التي كانت بدايتها إنشاء وكالة الآثار والمتاحف عام 1976، وتسجيل ما يقرب من عشرة آلاف موقع أثري، وكذلك أعمال الترميم التي تمت بالمواقع من خلال استراتيجية تطوير قطاع الآثار والمتاحف، وذلك من خلال رؤية وتصور وضعه الأمير سلطان بن سلمان لإدارة التراث الأثري السعودي ونقلها من المحلية ولأول مرة إلى العالمية، وجعل علماء الآثار في العالم كله ولأول مرة يتحدثون عن عظمة هذا التراث الإنساني، ولذلك عرض ما تم بالنسبة لتأهيل المواقع الأثرية وتوظيف قصور الملك عبد العزيز، وتطوير المتاحف وحماية الآثار وعودة الآثار المسروقة والبرامج التي تمت بخصوص التوعية والتعريف بالآثار، وبرامج البحث الأثري، سواء بالنسبة للأجانب أو السعوديين... والحقيقة أن هذه الورقة تعتبر في منتهى الأهمية، لأنها تظهر إلى العالم كله الرؤية الجديدة والتطوير الذي أعلنه الأمير سلطان بن سلمان.