حمود أبو طالب

إعصار المفاجآت والصدمات الذي يثيره الأمير محمد بن سلمان ليس تعبيراً عن فكره وآرائه وتوجهاته وقناعاته الشخصية فقط، بل هو أيضا توجه وسياسة وقناعة وقرار دولة ووطن، هو شاب نشأ في مرحلة زمنية حديثة لها صيغتها وصبغتها وأدبياتها واحتياجاتها واشتراطاتها، اكتشف أنه من الضروري عدم ضياع الوقت والاستغراق في ماض يشوبه كثير من الانفصام والعزلة، فقاد مرحلة التغيير المتوازن الذي لا يتعارض مع دين أو أخلاق أو قيم اجتماعية سوية، وبارك هذا التوجه قائد الوطن الملك سلمان وأيده، وكذلك الشعب الذي أصبح مؤهلا ليكون من أفضل المجتمعات تحضراً ورقياً وتعايشاً مع معطيات الحاضر والمستقبل.

في زيارته لمصر أعطى الأمير محمد بن سلمان مزيداً من الأدلة على الفكر السعودي الجديد من خلال بعض فقرات برنامج الزيارة التي تحمل رمزية ودلالات مهمة، فخلال يوم واحد زار الأمير مشيخة الأزهر التي تمثل رمزا إسلاميا مهما في مصر وكل الدول الإسلامية، تحدث عن الاعتدال والوسطية ومكافحة التطرف باسم الإسلام ودور الأزهر وبقية المؤسسات الإسلامية لخدمة هذا التوجه. بعد الأزهر انتقل الأمير إلى الكاتدرائية القبطية لمقابلة البابا تواضروس وتحدثا عن احترام الأديان وأتباعها والتعايش بينهم بسلام واحترام ومحبة، وأشار البابا بتقدير واعتزاز إلى الدور الذي تقوده المملكة في هذا الاتجاه. وفي مساء اليوم كان الأمير حاضراً في دار أوبرا القاهرة العريقة لمشاهدة مسرحية تحمل رسالة إنسانية في سياق المعاني السابق ذكرها، وغني عن التنويه ما قد شهدته الأوبرا من أعمال فنية مهمة عبر تأريخها.

هذا البرنامج هو الطبيعي لأي إنسان، وحينما يقوم به رجل دولة فإنه يرمز إلى الحياة الطبيعية التي يتمنى أن يراها في وطنه. يخدم دينه السمح المعتدل وينبذ الغلو والتطرف، ويكرس التعايش والمحبة بين البشر دون إقصاء أو انتقاص أو عداء بسب دين أو مذهب، ويستمتع بمباهج الحياة المباحة ويستقي من الفنون والثقافة والآداب الضرورية لسلامة التكوين النفسي والارتقاء بالمعرفة والذوق والحس الإنساني. لقد كان يوم محمد بن سلمان هو اليوم النموذجي الطبيعي للإنسان.