أحمد الجميعـة

إدارة المصالح في عالم اليوم لم تعد فناً لما يمكن تحقيقه، أو التنازل عنه، أو التوافق عليه، أو حتى التبرير له، ولكنها باختصار أن تحول نقاط ضعفك إلى قوة تفرضها على الواقع بلا تردد، وتمضي إلى حيث تكون الإرادة سبيلاً للوصول، والتخطيط والتنظيم والرقابة والتوجيه وسائل للخروج من تقليدية الحضور إلى إقناع الآخرين بأن ما لديك للمستقبل أفضل من الحاضر، ويبقى السر في الشخصية التي تبهر في التعبير عن المصلحة أكثر من التسويق لها.

الأمير محمد بن سلمان حضر إلى بريطانيا حاملاً مشروعات استثمارية وتنموية وعسكرية بقيمة تصل إلى 100 مليار دولار، وفي توقيت مهم للإنجليز بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومع ذلك كان التركيز إعلامياً وشعبياً على شخصية الأمير الشاب الطموح، وكيف استطاع في فترة وجيزة جداً أن يدير حركة إصلاح كبرى في وطنه، وعلى كافة المستويات، ويجذب الأنظار إلى المملكة الجديدة المعتدلة المنفتحة المستثمرة في الإنسان والمكان، وقدرتها على بناء تحالفات إقليمية ودولية للتأثير في القرار، وترجمتها إلى لغة أفعال وليس أقوال.

الإعلام البريطاني تحدث عن شخصية الأمير محمد بن سلمان أكثر من حديثه عن الاستثمارات الكبيرة بين البلدين؛ ليس تقليلاً منها، ولكن هم يتساءلون: كيف كان الحديث مع المملكة لعقود من الزمن عن صفقات السلاح والنفط كنقاط قوة في علاقة البلدين، وأصبح الحديث اليوم عن مشروعات استثمار مشتركة في الطاقة، والصناعة، والتعليم، والصحة، والنقل، والترفيه، والإعلام، والثقافة، والتقنية، وغيرها من المجالات التي يؤسس لها صندوق الاستثمارات العامة لتعزيز الناتج المحلي؟.

سؤال آخر طرحته النخب الاقتصادية البريطانية خلال الزيارة: كيف كانت المملكة إلى وقت قريب تستهلك التعاون البريطاني في مجالات متعددة، واليوم تنتج فرصاً استثمارية واعدة ومغرية للبريطانيين في المملكة، مثل مشروع نيوم والبحر الأحمر والترفيه وتوطين الصناعات؟، ومتى أصبحت المملكة بهذه القدرة في خلق كل تلك الفرص؛ لدرجة التحفيز والمنافسة والجذب في بيئة متعددة المزايا تنظيمياً ومادياً؟.

الجواب عن كل هذه الأسئلة كان في قدرة الأمير محمد بن سلمان في إدارة المصالح على أساس تحويل نقاط الضعف إلى قوة يطرحها على طاولة المفاوضات؛ ليس مزاداً لمن يدفع أكثر، ولكن فرصة لمن يغتنمها في الشراكة الحقيقية مع المملكة الحالمة؛ لذا لم تكن الاستثمارات بقيمة 100 مليار دولار تصب في شرايين الاقتصاد البريطاني وحده، وإنما السعودي أيضاً، وهو ما جعل البريطانيين يفتشون عن شخصية الأمير محمد بن سلمان الذي استطاع أن يخلق كل تلك الفرص في أشهر معدودة من إطلاق رؤية 2030، والجواب هذه المرة سيكون على لسان رئيس وزرائهم الأسبق ونستون تشرشل الذي قال ذات يوماً: «الفرص تأتي من الأزمات»، وهو ما يؤمن به ولي العهد من أن التحديات تخلق فرصاً للعمل والشراكة.