أحمد الفراج

خلال التاريخ الأمريكي الطويل، تفاوتت قدرات الرؤساء، الذين تعاقبوا على هذه الإمبراطورية، وواجه كل منهم تحديات ، وكان تعاملهم معها هو الفيصل في الحكم عليهم، والتحديات لم تكن متشابهة، فبعضها كان جسيما، وبعضها الآخر كان أقل جسامة، ويتساءل المؤرخون دوما عن دور التحديات في صنع الشخصية وإبراز قدراتها الفذة، والسؤال الذي يطرحه المؤرخون هو :» هل التحديات هي سبب بروز شخصية السياسي، أم أن السياسي المتميز هو الذي يصنع بصمته، من خلال مواجهة التحدي ؟!»، ولتبسيط الأمر أكثر، هل نستطيع القول إن من صنع مجد الرئيس التاريخي، ابراهام لينكولن، هو تزامن انتخابه مع استفحال أزمة الرقيق، أم أن قدرات لينكولن القيادية هي التي مكنته من مواجهة هذه المعضلة وحلها للأبد؟!.

ولعل مقارنة سيرة الرئيس باراك أوباما مع سيرة لينكولن تساهم في الإجابة عن التساؤلات أعلاه، وللمفارقة فإن أوباما كان من أشد المعجبين بلينكولن، وكان يضع صورته فوق مكتبه، ومن حسن الحظ أن أوباما، مثل لينكولن، واجه تحديات جسيمة، فكيف تعامل معها ؟!، إذ بدأت في عهده ثورات الربيع العربي، وقد باركها، وهو السبب الرئيس في عزل رئيس مصر، حسني مبارك، وكان فاعلا في دعم تنظيم الإخوان للوصول للحكم، ولم يخفِ ذلك، وحتى بعد سقوط التنظيم، حاول بكل جهد أن يقف ضد ذلك، ولم يعترف بالسقوط إلا مرغما، بعد الموقف الصلب من المملكة العربية السعودية، التي اتخذت موقفا مؤيدا لخيار الشعب المصري، الذي طالب بسقوط التنظيم، مثلما طالب بسقوط مبارك قبل ذلك، أي أن موقف المملكة كان مثاليا، بينما كان موقف أوباما انتهازيا ومُسيّسا!.

جاءت لأوباما فرصة نادرة، ليدخل التاريخ بإنجاز كبير، وذلك من خلال الثورة السورية، حينما استخدم نظام بشار الأسد الأسلحة المحرمة دوليا ضد شعبه، ورغم أن أوباما هدد وتوعد، وحرك أساطيل جيش أمريكا الجبار، إلا أنه تراجع، وسط خيبة المجتمع الدولي، وهو الأمر الذي فاقم الوضع في سوريا، وتسبب في موت وهجرة ملايين السوريين، ثم جاءت الطامة، عندما تعامل مع نظام إيران بنعومة، خصوصا وأن إيران كانت لاعبا مهما في مأسأة شعب سوريا، ما جعل إيران تضاعف من تدخلاتها، لا في سوريا فقط، بل في العراق واليمن ولبنان، ولم يقصر أوباما، إذ كافأها على كل ذلك بالاتفاق النووي، وبلايين الدولارات، التي جعلتها تواصل سياساتها التوسعية بكل حرية، والخلاصة هي أن هذه المقارنة، بين لينكولن وأوباما، تعني أن التحديات ليست هي من يصنع الزعيم، بل القدرات القيادية للسياسي، مثل الجرأة والشجاعة والحزم في مواجهة التحديات، هي الفيصل في تقييم مسيرة السياسي، فهل توافقون؟!.