ابراهيم حميدي

حط مسؤول عسكري روسي رفيع المستوى في دمشق قبل يومين، حاملاً رسالة من الرئيس فلاديمير بوتين إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، تحدد بوضوح نقاط انتشار قوات الحكومة شمال حلب مقابل الجيش التركي، ما يعني ترك عفرين والشمال السوري إلى التفاهمات الروسية - التركية - الإيرانية.

رئيس الأركان في الجيش الروسي فاليري غيراسيموف يكفل عادة بنقل الرسالة الميدانية إلى الأسد، سواء عبر زيارة دمشق أو الإقامة في القاعدة العسكرية الروسية في حميميم وترتيب لقاءاته مع المعنيين فيها، سواء كانوا سوريين أو «القوات الرديفة» أو من «وحدات حماية الشعب» الكردية.

وبحسب المعلومات المتوفرة لـ«الشرق الأوسط»، فإن القيادي العسكري الروسي قام بزيارة عملياتية غير معلنة إلى دمشق، تضمنت تسليمه إلى الجانب السوري خرائط انتشار نقاط المراقبة للقوات الحكومية شمال البلاد، بحيث يتم نشر 10 نقاط قرب أعزاز وتل رفعت ونبل والزهراء التي تسيطر عليها قوات الحكومة وحلفاؤها من تنظيمات تدعمها إيران لتضاف إلى 7 نقاط أخرى أقيمت سابقاً، على ألا تقترب هذه النقاط من عفرين التي قضت التفاهمات بين موسكو وأنقرة وطهران بأن تذهب إلى الجيش التركي وفصائل سورية معارضة تدعمها أنقرة.

وفي مقابل هذه النقاط، سيقيم الجيش التركي 12 أو 13 نقطة مراقبة في أرياف إدلب وحماة وحلب، إضافة إلى مواصلة عملية «غضن الزيتون» لربط مناطق «درع الفرات» بين حلب وجرابلس ومناطق إدلب.

وأبلغ مسؤول في دمشق قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية سبان حمو بهذه التفاهمات ونقاط الانتشار، الأمر الذي فسره قياديون في «الوحدات» بأنه قرار في دمشق بـ«التخلي عن عفرين والشمال إلى تركيا».

وكان هذا الاتصال الأخير بمثابة تأكيد لرسالة سابقة وصلت إلى حمو من أن موسكو لن تسمح لدمشق بالتعاطي سلباً و«مقاومة» العمليات التركية شمال البلاد، رغم التصريحات الإعلامية لمسؤولين في دمشق تصف «غضن الزيتون» بأنها «عدوان تركي».

وكانت «الشرق الأوسط» نشرت تفاصيل لقاء ثلاثي حصل في حلب ضم حمو، ورئيس اللجنة الأمنية في قوات الحكومة العميد مالك عليا، وقائد المركز الروسي للمصالحة عشية انطلاق «غضن الزيتون» في 20 يناير (كانون الثاني). وقتذاك، عرض حمو نص التفاهم مع دمشق حول 3 بنود: «التنسيق والتعاون الميداني بين الجيش السوري والوحدات، والعمل لصد الهجوم التركي، والعمل معاً لتحرير المناطق التي سيطر عليها الجيش التركي وفصائل مدعومة منه شمال عفرين وقرب الحدود».

وكانت دمشق تريد العودة إلى عفرين سواء فعلياً أو رمزياً، لكن موسكو رفضت، «لأن التفاهمات مع أنقرة أكبر بكثير من عفرين»، بحسب قول مسؤول روسي. بعدها، أرسلت دمشق «قوات شعبية» إلى عفرين وريفها، قوبلت بقصف تركي أوقع عشرات القتلى. وكان هذا تطبيقاً لما أبلغه قائد المركز الروسي إلى حمو وعليا في اجتماع حلب، منه أن موسكو «لن تدعم الاتفاق بين الوحدات والجيش، بل إن تنفيذ هذا الاتفاق خطوة خطرة جداً». كما أنه تطبيق فعلي لما سمعه حمو من رئيس الأركان الروسي في موسكو عشية بدء عملية «غضن الزيتون» من أن لتركيا «الحق في الدفاع عن أمنها القومي»، وأن الجيش الروسي «لن يعرقل استخدام الطائرات التركية في الهجوم على عفرين».

وجاءت الرسالة العسكرية الروسية الأخيرة إلى دمشق بمثابة تمهيد الأرضية لإدخال عفرين ضمن اتفاقات «خفض التصعيد»، بحسب الفهم الروسي، قبل أيام من الاجتماع الثلاثي الروسي - التركي - الإيراني في آستانة في 15 الشهر الحالي الذي سيمهد لاجتماع وزاري ثلاثي يمهد بدوره لاجتماع لرؤساء الدول الثلاث في الشهر المقبل.

وصعدت القوات التركية وفصائل «الجيش الحر» عملياتها في الأيام المقبلة وحققت تقدماً سريعاً وباتت تحاصر عفرين من 3 اتجاهات. وباتت على مشارف مدينة عفرين، بعد سيطرتها على «اللواء 135» وهو معسكر تدريب لـ«وحدات الحماية»، وكان قبل 6 سنوات مقراً لقوات النظام بعد سيطرتها على بلدة جنديرس الاستراتيجية الخميس.

وبموجب التفاهمات مع روسيا، تربط تركيا مناطق «درع الفرات» التي تبلغ مساحتها أكثر من 2100 كيلومتر مربع مع مناطق عفرين التي سيطرت إلى الآن على ألف كيلومتر مربع منها. وهي تسعى إلى توسيع منطقة نفوذها لتكون الثالثة من حيث المساحة بعد منطقة النفوذ الأميركي البالغة ثلث مساحة سوريا (وهي 185 ألف كيلومتر مربع) وقوات النظام وروسيا وإيران التي تسيطر على نصف مساحة البلاد.

ولا تزال أنقرة متمسكة بتوسيع العمليات إلى منبج، وهي تأمل بالتوصل إلى تفاهم مع واشنطن حولها رغم استمرار عدم الثقة. وإذ أبلغ الجانب الأميركي بوضوح القياديين الأكراد أن لا علاقة له بعفرين، وعد بالدفاع عنهم شرق نهر الفرات.

وأجريت مفاوضات بين مسؤولين عسكريين واستخباراتيين أتراك وأميركيين حول مستقبل منبج قبل يومين. ويعرض الجانب التركي وجوداً مشتركاً في منبج مقابل خروج «الوحدات» إلى شرق نهر الفرات، إضافة إلى إبعاد «الوحدات» عن الحدود التركية وتسيير دوريات تركية بدلاً منها، في مقابل طروحات أميركية بتوسيع دور «مجلس منبج العسكري» العربي وتغيير دور «الوحدات» في المدينة، مع قبول وجود نقاط تفتيش تركية في المدينة التي تضم مركزاً للجيش الأميركي في قلبها وآخر للجيش الروسي في ريفها.

وجهز الخبراء الأميركيون والأتراك سيناريوهات كي تقر بين الوزيرين مولود جاويش أوغلو وريكس تيلرسون في 19 الشهر الحالي، مع استمرار مفاوضات للوصول إلى تفاهمات حول مناطق شرق نهر الفرات التي تبدي واشنطن أولوية سياسية للسيطرة عليها والبقاء فيها، مع «الانفتاح لمعالجة عناصر القلق التركية لجهة دور الأكراد»، بحسب دبلوماسي غربي.