حمود أبو طالب

بنظرة تأملية واقعية ومحايدة للأيام الثلاثة التي استغرقتها زيارة الأمير محمد بن سلمان لبريطانيا يمكننا أن نتعرف أكثر على وطننا الجديد من خلال الآخر، وعندما يكون الآخر دولة بتاريخ وتقاليد ومكانة بريطانيا فإن الصورة تكون أكثر وضوحاً، وتجيب على كثير من الذين يحاولون تحجيم المكانة التي تتبوأها المملكة والتي ترمز إليها طبيعة الاحتفاء بقادتها في زياراتهم الخارجية، وزخم اللقاءات والاتفاقيات، والتغطيات الإعلامية الكثيفة، والحديث الواسع عن ما يجري في المملكة من نقلة هائلة في كل الجوانب نحو واقع مستقبلي مختلف ربما كان يحتاج إلى عقود لقطع مشواره لكنه حدث في زمن قياسي لم يستوعبه البعض إلى الآن.

في زمن المصالح المتبادلة والعلاقات البراجماتية والمنافع المشتركة لم يعد هناك مجال للتعامل مع أي دولة سوى بما تفرضه قوتها الاقتصادية وتأثير دورها السياسي واستقرار أوضاعها الداخلية وقدرتها على استمرارية التطور واحترامها لضوابط ومواثيق وعهود العلاقات الدولية. إن دولة بمكانة بريطانيا يستحيل أن تدخل في شراكات ضخمة في مجالات عديدة بمبالغ ضخمة مع دولة أخرى إذا لم تكن هذه الدولة جديرة بكل المعايير أن تكون شريكاً كفؤاً وموثوقاً وقادراً على تنفيذ هذه الشراكات، وفي حالة بريطانيا في مرحلتها الراهنة التي تتطلب منها إعادة ترتيب أوراقها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي يكون الوضع أكثر حساسية بالنسبة لها، ما يفرض عليها دقة اختيار شركائها لضمان تحقيق أهدافها ومصالحها، وبالتالي فليس هناك مجال لمجاملة دولة إذا لم تجد فيها الشريك الحقيقي القوي، ولو لم تكن المملكة كذلك لما نتج عن زيارة الأمير محمد بن سلمان ذلك الزخم من الاتفاقيات المهمة، ولو لم يكن الأمير الزائر رجل دولة كبيراً ومقنعاً ومؤثراً لما تعاملت معه الدولة المضيفة بذلك الشكل الاستثنائي.

المملكة في عهدها الجديد مصرة على المضي في طريق الأخذ بأسباب القوة الاقتصادية والسياسية وحماية مصالحها وأمنها واستقرارها، وسوف يحترم ويستوعب ذلك العقلاء المنصفون، أما الذين فرّغوا أنفسهم للمعارك الصغرى التافهة فإن المملكة لا وقت لديها للانشغال بهم، لكنها قادرة على إسكاتهم بطريقتها متى ما أرادت لو تجاوزوا حدودهم.