شملان يوسف العيسى

تتفاخر السلطات الإيرانية بكونها تهيمن على أربع عواصم عربية، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، لكن لا أحد يتوقع أن تعلن إيران أنها سوف تتدخل في الانتخابات القادمة في العراق والمقرر تنظيمها في شهر مايو القادم.

التصريحات التي أطلقها علي أكبر ولايتي، المستشار الأعلى للمرشد الإيراني للعلاقات الخارجية، خلال زيارته الرسمية للعراق في فبراير الماضي، والتي قال فيها «إنه لن يسمح بعودة الليبراليين والشيوعيين والعلمانيين لحكم العراق»... هذه التصريحات الواضحة والصريحة، تدل دلالة قاطعة على إصرار إيران على فوز قوى الإسلام السياسي الشيعية الموالية لها، وهي الأحزاب والحركات الدينية الشيعية العراقية التابعة لطهران.

لذلك فإن إيران اليوم تتحكم في إرادة الشعب العراقي وفي اختيار قيادته، وهي التي تفرض من تراه مناسباً للفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة والتي سيتم فيها اختيار أعضاء البرلمان والكتلة السياسية التي ستشكل الحكومة القادمة في العراق خلال السنوات الأربع القادمة.

والتساؤل الذي علينا طرحه هنا هو: لماذا تتدخل إيران في الانتخابات العراقية بشكل سافر ومعلن الآن قبل شهرين من بدء الانتخابات في مايو المقبل؟ من الواضح أن السلطات الدينية في إيران قلقة جداً من التحولات المتسارعة على الساحة الدولية والإقليمية، إضافة إلى تحولات الساحة المحلية العراقية.

إن قادة الدول الرئيسة في النظام العالمي، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أعلنوا في خطب واضحة بأن إيران تمول الإرهاب في المنطقة، خصوصاً تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما حذروا طهران من عواقب التدخل السافر في شؤون جيرانها.

إقليمياً، هناك تحرك عربي قوي لدعم العراق ومحاولة مساعدته على تخطي المشكلات الاقتصادية التي يمر بها. فقد عقد في الكويت، في فبراير الماضي، مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي ساهمت خلاله بعض الدول العربية والأجنبية بوعود من أجل تمويل إعادة الإعمار، بينما لم تساهم إيران التي كانت مشاركة في المؤتمر بأي مبلغ لإعمار العراق.

ومما يقلق القيادة الإيرانية فعلياً بعض التحولات في العراق، حيث تمزقت تحالفات الأحزاب الشيعية الموالية لها، وعلى رأسها «حزب الدعوة الإسلامي» الذي يحكم العراق منذ عام 2003. ويعود سبب الخلافات إلى وجود صراع شخصيات على النفوذ والقوة والمال والاستحواذ على ثروات العراق، بين العديد من القادة الحزبيين وداخل المؤسسات الرسمية والحزبية التي ينخرها الفساد والمحسوبية.

وربما يقلقها أيضاً التحالف الجديد بين القوى الدينية المستترة ممثلة بالتيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر، مع «الحزب الشيوعي العراقي» الذي لم تتلوث قياداته وكوادره الحزبية بقضايا الفساد المنتشرة في العراق. يتميز مقتدى الصدر بنهجه العروبي المستقل عن إيران منذ انتخابات العراق السابقة عام 2014. وقد يستقطب الصدر قطاعاً كبيراً من الناخبين العراقيين الرافضين للأحزاب الدينية العراقية التي تحكم العراق مثل حزب الدعوة وجماعة عبدالعزيز الحكيم.

ما يحتاجه العراقيون اليوم هو وجود حكومة عراقية نزيهة ونواب يهتمون بالقضايا الحقيقية للشعب، وهي العيشة الكريمة التي تتلخص بوجود سكن لائق وخدمات صحية وتعليمية وإيصال الكهرباء والماء النظيف.

لقد آن الأوان لرحيل النواب والسياسيين الموالين لإيران، والذين يهتمون فقط بمصالحهم الشخصية وبنهب أموال العراق.

فيا أيها العراقيون أحسنوا اختيار ممثليكم وصوتوا لمن يخدمونكم ويصلحون شأن عراقكم.