أسامة سرايا 

لقاء مارس 2018 بين القاهرة والرياض أحد أهم اللقاءات بين البلدين الكبيرين، فقد تم اختيار الزيارة الخارجية الأولى لولى العهد السعودى محمد بن سلمان إلى القاهرة بعناية ودقة، وذلك قبل الذهاب إلى عواصم القرار الكبري، لندن وواشنطن.

هى زيارة الإعلان عن تدشين عصر القوة العربية الجديد، وملء الفراغ فى المنطقة، وذلك بعد نجاح القوة المضادة للمصالح العربية العليا فى اختراق وتدمير عواصم عربية، وبعد انتشار الحروب بالوكالة، حتى إن زعيم ميليشيا فارسية أعلن، من عاصمة عربية كبري، أن إمبراطورية بلاده تمتد لتشمل 6 عواصم عربية، وهناك كثيرون ينتظرون السقوط، واستخدام عبارة الحبل على الجرار.

وأصبحت كل عواصم العالم تشهد اجتماعات لحل المشكلات العربية فى سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن وليبيا، بينما العرب غائبون. لأن القوى الإقليمية فى المنطقة اخترقت العواصم العربية الكبرى فى وقت الاضطرابات، عقب ما سمى بالربيع العربى فى مصر وشمال إفريقيا، واخترقت الخليج، واختارت بعناية دولة خليجية لتكون الخزينة والتمويل.. وأقصد هنا قطر، وقد أصبحت بكل مكوناتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية إحدى دوائر الإخوان المسلمين وتستخدمها تركيا، وكذلك إيران، وللبلدين جيوش وميليشيات إرهابية وطائفية تستخدم الدين الإسلامى بمكوناته (السنية والشيعية).

إن وصول ولى العهد السعودى القوى إلى القاهرة فى هذا التوقيت رسالة مهمة، فقد جاء بعد استكمال سياساته الإصلاحية الكبرى وكان قد دشنها والده الملك سلمان وهو الذى كان عليه، كآخر ملوك أبناء الملك عبد العزيز أن ينهض بتجديد دماء السعودية، ويختار وليا للعهد من أحفاد الملك المؤسس، وأن يخطو به ومعه لبناء عصر سعودى جديد يلبى طموحات الأجيال الجديدة، وينهى بشجاعة وجسارة وبلا تردد مخاوف السعوديين من دخول العصر القادم.

جاء ولى العهد إلى مصر، وهو يقف على نفس الأرضية التى تقف عليها مصر بعد أن خرجت من دوامة السقوط والتطرف والمصيدة التى صاغتها بحنكة التيارات المتطرفة فى المنطقة (خط تركيا قطر الإخوان) لتقع الدولة الكبرى فى الشرق العربى فريسة أوجاعها وترث كل أخطاء وكوارث وفواجع الإسلاميين فى المنطقة العربية، وكانت الهبة المصرية والمعجزة الإلهية، إنقاذا لمصر من براثنهم وأفكارهم وجهلهم المطلق، وكانت القيادة، وهى تخرج بنا، هذا الخروج الكبير، تملك الروح والهمة لتقود مصر إلى بناء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية مبهرة، خطفت الأنظار، ودخلت بمصر عصراً جديداً من القوة، لحماية نفسها من هؤلاء الأعداء الذين أرادوا إخراجها من التاريخ، وإعادة احتلالها بالجغرافيا. عندما التقت القاهرة والرياض فى مارس 2018 كانت الدولتان قد استكملتا كل عناصر القوة الداخلية، لتعلنا للعالم أنهما قادرتان على حماية المصالح العربية.

وشخصيا، كنت أرى بوضوح هذه القوة، عندما أعلنت عن نفسها فى يونيو من العام الماضى بظهور التحالف الرباعى المكون من مصر والسعودية والإمارات والبحرين لمواجهة قطر وإخراجها من أن تكون جزءاً من إقليم، وهى فى نفس الوقت تخترقه لمصلحة أعدائها، لدرجة أنها كانت تحارب مع التحالف فى معركة إنقاذ صنعاء، وهى تكيد للجميع، حتى يصبح الحوثيون فى اليمن لهم نفس صلاحيات (حزب الله فى لبنان)، أى إنها شريكة فى إسقاط عاصمتين عربيتين، وتلعب فى الظلام لإسقاط ليبيا لمصلحة تحالفها البغيض، كما كانت قطر تدير شبكة كبرى لإسقاط مصر وتخريبها عبر تمويل جماعة الإخوان، ودفع الإرهابيين من ليبيا ومن غزة إلى القاهرة! ولذلك سعدت، وأنا اسمع تصريحات ولى العهد السعودي، بأنه لا يعير اهتماما لقضية قطر، ويراها عملية صغيرة، ولكننى أختلف معه، فمازالت النار تحت الرماد، وقد تشتعل من مستصغر الشرر. ولاحظ ولى العهد ذلك بنفسه، وهو فى لندن، كيف حشد القطريون إعلامهم ونفوذهم لإفشال زيارته إلى العاصمة البريطانية، ولكن الإصلاحات السياسية فى بلاده أكسبته القوة، وأكدت أن السعودية تتحرك لمشاركة أشقائها فى بناء تحالف عربى كبير، يقف بالمرصاد ضد كل التدخلات الإقليمية فى العواصم العربية. كانت زيارته إلى مصر ولقاؤه الرئيس عبد الفتاح السيسى إعلانا عن القوة ووحدة القرار العربي، كما كانت إشارة كبرى إلى حجم التغييرات التى طرأت على البلدين، وأنهما يقودان بروح جديدة، تكشف معانى القوة العسكرية القادرة على حماية أمن البحار العربية، وتحديداً البحر الأحمر الذى لم يكشف عن ثرواته بعد.

إن تعمير شبه جزيرة سيناء، وتخليصها من الإرهاب والتطرف، لن يقف عند حد، ولكنه سيتطور إلى جعل هذه المنطقة جسراً للقاء الحضارات، وسيقدم للعالم صورة جديدة للإسلام العصرى الذى يقبل ويحترم الديانات جميعا، وبذلك يكون اجتثاث الإرهاب والتطرف طريقاً لوأد ثقافته وبيئته التى عشش فيها. ونرى أن تحالف مصر والسعودية، والإمارات والبحرين، يستعيد الوعى العربى فى إطار طرح نظام أمنى عربى إقليمى جديد ومتكامل، من أجل لجم الطموحات العثمانية القديمة التى أحياها الإخوان، والفارسية القديمة هى الأخرى التى أحياها الملالي، ويمكن لهذه القوة الجديدة أن يبنى عليها العرب، فى صراعهم الطويل والممتد، مع الطموحات الإسرائيلية التى تريد أن تلغى الحقوق الفلسطينية المشروعة فى إقامة دولتهم، وعاصمتها القدس الشرقية.

إن هذه القوة لا يراد لها أن تستخدم ضد أحد، ولكنها ستكون إشارة لحماية المصالح العربية، ومنع تدخل الآخرين، أو الأشرار الذين يغريهم الفراغ والضعف بالاستقواء على المصالح العربية، ولذلك وجب علينا أن نرحب بزيارة ولى العهد السعودى إلى مصر، ونقول: إن زيارتك تاريخية وستكتب فى سجل جديد للعرب الخالدين.