بينة الملحم

أذكر قبل بضع سنوات تأملت خبراً مفاده: «جامعات في أميركا الشمالية بدأت تؤجر مبانيها لأغراض أخرى، لأنه ليس هناك حاجة للطالب أن يحضر إلى الصف»!

ويبدو أن تلك الجامعات وعت جيداً أنها تعيش زمن الثقافة التكنولوجية المعاصرة التي تتيح للمواطن أن يطلع على أي رأي وأي فكرة ويتفاعل معها ويتقبلها ويتشبع بها، فيكون أكبر من قدرة أي سلطة تقليدية تقول له: نعم أو لا، بما فيها قدرة الجامعة على التأثير فيه. في المقابل فإن القضية الأهم بالنسبة لتلك الجامعات: كيف سيتركز دورها في الإنتاج العلمي والفكري والثقافي الذي يغذي كل التحولات العالمية التي تواجه مجتمعاتها تلك التحولات الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية؟ كيف ستحافظ الجامعة على دورها في المجتمع؟

أحسنت جامعة الملك سعود بتدشينها الأسبوع الماضي 8 - 11 مارس 2018 لأول وأكبر منصة للجهات الداعمة لقيادة المرأة للسيارات عبر ملتقى أول مرة: بيئة آمنة للقيادة، وأسبقيتها في الاستجابة للقرار الملكي الكريم بالسماح بقيادة المرأة للسيارات عبر هذا الملتقى، وتفعيلاً للدور المجتمعي للجامعة من منطلق كانت الإشكالية الكبرى في تخلف معظم الجامعات عن وعي الإجابة على سؤال: «لماذا تغيب جامعاتنا عن المجتمع؟!».

فلا يمكن لأي جامعة أن تنفي مسؤولياتها الأكاديمية والفكرية عما يحدث في الواقع الاجتماعي الذي تنشأ في طياته، فمن جانب أكدت عدد من الدراسات أن محاولات انخراط الشباب في عملية الإنماء وبناء الواقع الاجتماعي لم تكن كافية، هذا ما يعني أن جامعاتنا في مأزق حقيقي إن كانت عاجزة عن القيام بدورها في إعادة تشكيل الهوية الفكرية لأكثر من 70 % من المجتمع السعودي تمثلهم فئة الشباب بصورة عامة والشباب الجامعي بصورة خاصة.

هذا السؤال يتطلب البحث عن دور التعليم العام في التأسيس لمفاهيم فكرية إيجابية للمجتمع؛ فالطلاب الذين يصلون إلى الجامعات بمفاهيم مترسخة - خصوصاً السلبية منها - تجاه الفكر، يجعلون من دور الجامعة مهمة ليست سهلة يمكن تجاوزها، وهذا ما يكرس التحدي الحقيقي للجامعة متمثلاً في قدرتها على إعادة بناء الإنسان.