محمد الساعد

لنقرأ سوية ما فعله ترمب ليلة أول من أمس عندما وجه ضربة سياسية مدوية في واشنطن أكدت بلا شك أن هذا الرجل «الشجاع» قادر على المناورة والتحرك في الوقت الذي يريد وكيفما شاء، كان التحرك ذا ثلاثة اتجاهات «دبلوماسي وأمني ومجتمعي».

تخلص من وزير خارجيته وهو يمثل ثالث شخص في سلم السلطة الأمريكية، الذي وضع له العصي في دواليب سياساته الخارجية منذ أكثر من عام، ورشح بدلا عنه رئيس المخابرات السي أي أي، وبالتالي استرضى أهم مؤسسة أمنية ظلت علاقته سيئة جدا معها منذ أطلق تصريحاته العنيفة ضدها، كما عين أول امرأة في منصب بهذه الأهمية، وهو هنا يتصالح مع مؤسسات المجتمع المدني «الليبرالية»، وخاصة النساء اللاتي أخذن مواقف معادية منه برزت في الصحف الليبرالية، على رأسها صحيفتا النيويورك تايمز والواشنطن بوست.

في شهر أكتوبر الماضي وصل وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون للرياض، الزيارة هي الثانية للمنطقة بعد سابقة كان هدفها حلحلة الأزمة القطرية، المهم في الزيارة حجم الاستقبال السعودي للوزير، إذ كان في انتظاره بالمطار موظف صغير في الخارجية السعودية، الاستقبال ليس من عادة الرياض المضيافة، لكن الوزير كان قد قدم «سبتاً» سيئا فلا يتوقع أن يجد «أحداً» رائعاً في انتظاره، كل ذلك أتى بسبب «غباء» تيلرسون وتصريحاته غير الموفقة تجاه المملكة، الاستقبال البارد كان رسالة هامة استخدمتها الرياض أكثر من مرة مع جون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق وحتى مع الرئيس أوباما.

تيلرسون الذي رأس أعلى دبلوماسية في العالم أخفق في الالتزام بالحد الأدنى من الحياد مع حليف إستراتيجي كالسعودية من أجل عيون دولة ليست سوى «أنبوب» غاز وقاعدة عسكرية.

ريكس تيلرسون تسرع بشكل فاضح في الارتماء خلف السياسة القطرية، بل أصبح محامياً درجة رابعة، ومعقباً في طرقات الشرق الأوسط بحثاً عن انتصار لا يمكن تحقيقه لها.

الوزير الأمريكي انشغل بقطر أكثر من انشغاله بمصالح بلاده، بل تحول تلقائيا لمساندة المشروع الإيراني المتمدد في المنطقة، لأن قطر أرادت منه ذلك.

فيما يخص الأزمة مع قطر كان واضحا أن تيلرسون تبنى بلا مراجعة مواقف الدوحة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة بدلا من علاجها، وزاد ذلك من غرور الدوحة وأوهامها بأنها دولة، بينما هي ليست سوى مصرف للإرهابيين حول العالم.

مشكلة وزير الخارجية الأمريكية المبعد أنه لم يستطع الفصل بين كونه مدير شركة إكسون موبيل السابق صاحبة الامتياز والمستحوذة على الغاز القطري، وبين مصالح أمته الأمريكية، لقد كان ساذجا لدرجة الوقاحة، متفانيا في الدفاع عن القطريين لدرجة تثير الشكوك.

كل ما أرادته السعودية أن تمتنع قطر عن الإرهاب، وهذا مطلب دولي قبل أن يكون مطلب الدول الأربع، وأن يكون الحل ضمن البيت الخليجي، ولذلك رحبت بلا تردد بالوساطة الكويتية، وبقيت تقول إن أي تدخل أمريكي بصورته «التيلرسونية» غير مرحب به ولا يمكن قبوله.

وتحول عبر مصالحه النفطية مع قطر إلى مندوب علاقات عامة للشركة داخل البيت الأبيض، وأصبح خادما مخلصا لمصالح استثمارات الغاز، ولم يستطع أن يقنع رئيسه بقدرته على العمل معه، إذ لطالما راهن القطريون على بعض السياسيين الغربيين الذين ارتبطوا بمصالح معهم، وكانت سياسات التشبيك القطرية تستلزم إغراءهم بعقود مستقبلية فور خروجهم من مناصبهم وضمان مستقبل مالي مريح من باب أطعم الفم تستحي العين.

المضحك في الأزمة أن قطر وعدت تيلرسون وحلفاءها في الإقليم بإخراج ترمب من السلطة، وإذا بترمب يخرج مندوبها «تيلرسون» ويسقط كل مشروعها الوهمي في واشنطن.