دانييل دبليو دريزنر

انتهت فترة عمل ريكس تيلرسون في منصب وزير الخارجية، ليس بصوت انفجار ولكن بارتباك كبير.

هذه الحركة الشخصية تحديداً تم الإبلاغ عنها في أواخر شهر نوفمبر، لذا لا ينبغي أن يفاجأ أحد بهذا القرار. وعند هذه النقطة فإن أي شخص يفاجأ بطبيعة هذا العرض الواقعي للتحركات الشخصية في البيت الأبيض من المؤكد أنه يعيش في واحة منعزلة.

بيد أن لدي خمس أفكار أو بالأحرى خمس فرضيات، تتعلق بهذا الخبر:

1) إن تيلرسون لم يكن لديه أسوأ الغرائز السياسية، وربما يدرك من يقرأون مقالاتي منذ فترة أنني لم أكن من أشد المعجبين بتيلرسون، لذا دعونا نبدأ بالأمور اللطيفة التي يمكنني قولها. كان الدافع المبدئي لتيلرسون لقضاء أطول وقت مع الرئيس دونالد ترامب معقولا، نظراً لعدم وجود علاقة شخصية سابقة بين الرجلين. وكان دور تيلرسون يتمثل في كبح بعض التوجهات الأولية والغرائز الجامحة، مثل الانسحاب من اتفاقية باريس للتغير المناخي، والرغبة في إلغاء الاتفاق النووي الإيراني، والتردد في اللجوء إلى الأساليب الدبلوماسية في شبه الجزيرة الكورية. ويعد وزير الدفاع جيم ماتيس هو أكفأ مدير سياسات في حكومة ترامب، وقد شكل علاقة وثيقة مع تيلرسون. ولم يكن تيلرسون مخطئا في الاعتقاد بأن وزارة الخارجية يمكن إصلاحها.

2) كانت هذه خطوة ضرورية للغاية بالنسبة لترامب. فأهم عملة بالنسبة لدبلوماسي هي المصداقية، فإذا قال إن أمرا سيحدث ثم تم إلغاؤه من قبل رئيسه، فهذه مشكلة (وهذه بالمناسبة أحد الأسباب التي تجعل الدبلوماسيين يبدون حذرين دائماً ويدرسون لغتهم بعناية). لقد قوض ترامب مصداقية تيلرسون في مناسبات عديدة، وحملة التسريب المستمرة في وسائل الإعلام بأن تيلرسون في سبيله لترك المنصب، زادت من إضعاف موقفه. وبعبارة أبسط: إذا كنت رئيساً أجنبياً في اجتماع حكومي مع تيلرسون، هل كنت ستأخذ تأكيداته على محمل الجد؟ أما بومبيو، وزير الخارجية الجديد، فمن الواضح أن لديه علاقة وثيقة مع ترامب، كما سبق أن أظهر له كثيراً من الولاء علانية. وهذه العلاقة من شأنها أن تعطي بومبيو مزيداً من المصداقية كوزير للخارجية عندما يتحدث إلى محاورين أجانب.

3) سيتمثل إرث تيلرسون في أنه واحد من أكثر وزراء الخارجية غير الفعالين في التاريخ الحديث. لقد كتبت كثيرا عن عدم كفاءة وعدم فعالية تيلرسون كوزير للخارجية. لقد كان غير كفؤ لدرجة أنني دعوته إلى الاستقالة في شهر أغسطس الماضي. كما تضاءل تأثيره داخل الإدارة بمرور الوقت. واتسم اقتراحه بإعادة هيكلة وزارة الخارجية بفشل واضح. كما ساعدت إدارته التي لا تتسم بالكفاءة على حدوث هجرة جماعية لمسؤولي الخدمة الخارجية وتحطيم معنويات الدبلوماسيين الباقين. ويبدو الأمر وكأنه لم يستطع أن يزور منطقة دون أن يقول شيئاً يسيء إلى مضيفيه. ولا توجد أي فكرة مميزة أو عقيدة أو إنجاز يمكن لتيلرسون أن يشير إليه كجزء من إرثه. لقد كان غير مهيأ بشكل واضح للمنصب من اليوم الأول، وبالكاد انتقل من منحنى التعلم. وقد قوض افتقاره للكفاءة من قدرته على تقديم أي غريزة سياسية جديرة بالاهتمام. وعن فترة عمله كتب «بيتر بيكر» و«جاردينر هاريس» في صحيفة نيويورك تايمز: «لكن ربما كان الجزء الأكثر إثارة للحيرة في فترة عمل تيلرسون هو ضعف إشرافه على وزارة الخارجية. وباعتباره مسؤولا تنفيذياً كبيراً سابقاً في مجال الأعمال، كان يعتقد أن مهاراته الإدارية هي رصيده الرئيسي. بيد أنه فشل في اختيار فريق موثوق به من القادة بسرعة، وترك العديد من الإدارات الحساسة دون توجيه، مما أحدث شللا في عملية اتخاذ القرارات الحاسمة في الوزارة.

4) إن بومبيو لديه الفرصة ليصبح وزيراً جيداً للخارجية. فأي مسؤول كفؤ يشغل هذا المنصب سيكون بحاجة إلى تنمية العلاقات مع الشركاء الرئيسيين لكي ينجح في عمله: البيت الأبيض وسائر الوزراء الآخرين والكونجرس والبيروقراطية والمجتمع الأوسع للسياسة الخارجية. وكما أشير من قبل، فإن بومبيو على علاقة وثيقة بالرئيس وسبق أن خدم في مجلس الوزراء وفي الكونجرس. كما أن لديه الفرصة لبناء قدر كبير من حسن النية من خلال تزويد الوزارة بالموظفين والدفاع عن ميزانيتها أكثر قليلا من تيلرسون. أما بالنسبة لمجتمع السياسة الخارجية فهذا أمر آخر.

5) السياسة الخارجية الأميركية على وشك أن تصبح أكثر تشدداً. ومعلوم أن بومبيو أكثر تشدداً بكثير من تيلرسون فيما يتعلق بمجموعة من القضايا السياسية، خاصة إيران. لذا سيكون من المستحيل بالنسبة لبومبيو أن يصبح وزير خارجية أسوأ من تيلرسون. لكنه ربما يثبت أنه سيكون وزيراً أكثر خطورة من خلال تمكين أكثر الغرائز تشدداً لهذه الإدارة.

*أستاذ السياسة الدولية بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»