سمير عطا الله

 عاد مسمى «الشرق الأدنى» إلى التداول بدل «الشرق الأوسط» بالصحف الغربية والصحافة الروسية وبعض السياسيين الأوروبيين. وليس من معنى جغرافي حقيقي لهذه التسمية. وقد وضعتُ «لجنرالات الشرق» مقدمة من 75 صفحة حول ما تعنيه التسمية للدول التي أطلقتها، من واشنطن إلى باريس، دون التوصل إلى خلاصة مقنعة.

وخلال مقابلة مع رئيسة وزراء الهند الراحلة أنديرا غاندي، طرح أمين معلوف السؤال عليها، فقالت بسرعة: «نحن في الهند لا نسمي منطقتكم بهذا الاسم أو ذاك، نتطلع إليها ونقول «آسيا الغربية». ويقول أمين إنه شخصياً يفضل على الاسمين مسمى «المشرق» لما يحمل بالنسبة إليه من ذكريات تاريخية.
الأسبوع الماضي كرم مهرجان أنطلياس الثقافي المؤرخ والكاتب المسرحي والإذاعي فارس يواكيم. وتحدث المعرِّف به الزميل محمد علي فرحات عن سيرة رجل ولد في الإسكندرية وعاش فيها حتى سن السابعة عشرة، ثم انتقل إلى دراسة الفنون في القاهرة قبل أن يهاجر إلى بيروت ليصبح أحد أبرز وجوهها المسرحية الحديثة.
وفيما راح يواكيم يروي سنواته الأولى في مصر، ووقوع منزل أهله إلى جانب منزل يوسف شاهين في الإسكندرية، خطر لي أن أمين معلوف على حق: لعله فعلاً المشرق العربي. فالإسكندرية وبيروت من مدنه الأولى. وكمدينتين مَشرقيّتين ضمتا أيضاً جاليات من الجوار الأوروبي، مثل اليونان وإيطاليا، وخصوصاً الإسكندرية قبل بيروت. ثم إن مسمى «الشرق الأوسط» غير دقيق. فالعالم يضم إليه المغرب الذي يقع جغرافياً غرباً أقرب إلى أوروبا بكثير من دمشق.
«المشرق» من دون أدنى أو أوسط، أكثر حياداً وأقل نقاشاً. ولكن إذ يحبذ أمين معلوف التسمية لأسباب عاطفية رومانسية، فإن البعض ينادي بها اليوم لأسباب سياسية واضحة. فإن اعتمادها يجنبك التحدث عن «العالم العربي» و«الوطن العربي»، ويمهِّد لضم إيران، ومشاريعها المستقبلية، وينسي الناس الحرص على الهوية الكبرى. لذلك، لوحظ خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة ابتهاج الصحافة المصرية بالحديث عن عروبة مصر وجذورها التاريخية والعودة إليهما من خلال التحالف مع السعودية.
وفي المقابل، تطرح في «سوريا قلب العروبة النابض» فكرة الوحدة مع العراق دون سائر العرب تحت تسمية مركبة هي «سوراقيا». إلى أين ذهب شعار «من المحيط إلى الخليج»، وتسمية الدول بمجرد «قُطر» في مجموعة، وفي أي عالم سوف توضع فلسطين؟ لا ندري. وطبعاً لا أحد يدري. فما هي في أي حال إلاّ لعبة كلمات فضفاضة على واقع متصاغر ومتضايق. حتى الأوطان منفردة ضاقت أسماؤها بها، وتغيرت معاني الأسماء ومواقعها في الأمم ومعاني حدودها. وربما الأكثر دقة والأقل إثارة للجدل أن نتأمل الخريطة من الهند ونقول غرب آسيا.