عبدالله بن بخيت

يكثر الكلام هذه الأيام عن الممنوع والمسموح من الكتب. أثار الموضوع توفر كمية من كتب الإخوان المسلمين في معرض الكتاب كما سردها برنامج معالي المواطن.

أساس المشكل أن خبرتنا في الرأي والرأي المخالف ضعيفة. تاريخنا الثقافي قائم على الانحياز. زرع فينا الإحساس الدائم بأننا نخوض معركة. عدونا يتربص بنا. يتربص بديننا بعقيدتنا بنسائنا ومؤخراً صار يتربص بوطننا. معركة ممتدة. لا أتذكر أن حصلنا على فترة راحة بين معركتين. تسمع من يقول ديننا مهدد. لن يكون رد فعلي الاستغراب أو السؤال من هو هذا الذي يهدد ديني ولن يطرأ على بالي أن أسأل لماذا يهدد هذا أو ذاك ديني. إحساسي بالمعركة يرفع ضغطي والأدرنالين في دمي. وأكون في حالة استنفار دون أن أسأل. تم بناء وعينا الثقافي على قاعدة (إما مع أو ضد). كثرة الأعداء وتعاقبهم أفقدنا القدرة على تحديد اتجاهاتنا الثقافية. ولأنها معركة الأمة صارت الثقافة في متناول العوام. آلاف من فرسان تويتر يصبون جام غضبهم على ابن تيمية. سمعوا من يمدحه أو يشتمه فهبوا كما تهب جماهير المدرجات. مات مؤخراً العالم البريطاني هوكينغ فنال نصيبه في تويتر من جمهور المدرج المقابل. صار شتم المفكرين والعلماء والمثقفين من باب الاحتساب والاحتساب المضاد.

ثمانون في المئة من الكتب بلا قيمة فكرية والكتب الفكرية لا يقرؤها إلا المختصون أو أصحاب التوجهات القائمة أصلاً. لو وزعت كتاب هوكينغ أو ابن تيمية مجاناً في الشارع فلن يقبله منك أحد.

مسألة التكفير والتخوين والوطنية والإيمان لا تأتي من الكتب. معتقدات عليا كهذه تزرع بالوسائل الساخنة كالخطب والتلفزيون والإذاعة والبرمجة المتعمدة من قوة تملك السيطرة على وسائل الإعلام. من يتطلع لقراءة كتاب عن الإلحاد أو عن الورع يملك الاستعداد ويملك الإحساس النقدي ويعرف إلى أين هو ذاهب. تباع كتب الإلحاد في سورية ولبنان ومصر منذ فجر الحداثة العربية ولم نسمع أن مسجداً أغلق أو كنيسة. يبقى أمر هذه الكتب بين النخبة. المعارك الثقافية الكبرى التي قرأنا عنها في مصر أو لبنان كان تدور على صفحات المجلات الثقافية وبأقلام المشتغلين بالأدب والفكر.

فكر الإخوان وفتاوى التكفير موجودة منذ مطلع القرن العشرين بل إن كثيراً منها وجد منذ قرون. العلة ليست في الكتب. العلة فيمن أخرجها من بطون الكتب وحولها إلى برامج عمل ونثرها في المساجد والمخيمات والمراكز الصيفية.