هيا بنت عبدالرحمن السمهري

 زارني شطر بيت شعر للصمة القشيري حين قال (وما أحسن المصطاف والمتربعا) خلال جولتي في معرض الكتاب المقام الآن؛ وتحديداً حين التقطتْ عيني عنواناً لافتاً لأحد الأجنحة وإن كان ممتداً من معارض سابقة وهو «المؤلفون السعوديون» وحيث توشحتْ السكينة ذلك الجناح الموسوم بالمؤلف السعودي؛ وتوالى مروري عليه وما زال! وكنتُ أبصرُ الكتب السعودية في مرتبعها الخاص وأحدقُ في سكونها وأستزيد عجباً من النأي عنها إلا لُماماً؛ فعسى أن تكون لحظاتي هي الساكنة!! وكان مما سرده أمامي القائمون على الجناح أن المؤلف السعودي يسلم كتبه بذاته إلى تلك المنصة بعد منحه الموافقة وهي فئة الكتب التي لا يوجد لها متكآت لنشرها وتسويقها!! فتذكرتُ حينها ما وعينا من تراثنا البعيد والروايات التليدة حين كان الشغوف بالقراءة يحمل كتبه على «ناقته» لتصحبه في طريقه أو ينقلها إلى بلده، وكان صندوق الكتب هو وحده المكتنز الذي تنوء به الناقة! وتلك بيّنة على قدر الكتاب النفيس، حينها كان الناس شديدي الشغف بالعلوم والمعارف ومن الممكن أن ينفقوا زاد شهر ثمناًَ لكتاب يضيفوه إلى عقولهم؛ كل ذاك خطف تفكيري هناك وأحسستُ في بعض منعطفات معرض الكتاب أن الفضاء الرقمي تربع وتوسد وأن جل ما يلتقطه الناشئة اليوم هذيان محموم كثيرهُ رقمي مستورد، وأجزم أننا لو عقدنا مع الثقافة الرقمية اليوم رباطاً لصناعة ثقافة المستقبل ولتحميل تراث يشار إليه في قادم حياتنا فلن ترفو ثقوب القلب!! وهو رأي شخصي مازلتُ أنافح عنه!

كما أننا نؤمن جميعاً بدور الكلمة الأصيلة المدونة في الكتاب في صناعة التحول لدى المطلعين عليه، ومن جميل الانتقاءات أن التحُّول وصناعته كان شعار الانطلاقة في معرض الرياض الدولي للكتّاب هذا العام؛ ولقد أحسنتْ وزارة الثقافة والإعلام اختيار الشعار ليصبح وقوداً معنوياً جميلاً فواراً يدفع بأجنحة معرض الكتاب للتحليق في سماء الثقافة؛ ولقد حاولتُ جاهدة ألا تستل الثقافة الرقمية المهيمنة تلك النشوة التي تطوقني عندما التقيتُ تخصيصاً للمؤلف السعودي ومتكأ وارفاً للكتاب الوطني، ونعلم يقيناً أن عجلة الحداثة سوف تسير وفيها طاقات وطنية نصفق لها ونعتبرها استهلالاً تنموياً حافزاً؛ ولتمتين ذلك المسار وتقوية منابعه الثقافية لا بد من الكتاب العميق ذي المعاني المعرفية العليا والثقافة الأصيلة الممتدة وألا يكون انبهار أجيالنا في حاضرها ومستقبلها بمحتويات رقمية اعتادت تسطيالمعرفة والمرور فوق أسوارها بإطلالات هشة يتراخى معها احترام المعلومة وفقد اليقين بثباتها، وهنا يأتي دور المعنيين بالفعل القرائي ومنصاته من المتخصصين الأكاديميين لبناء استراتيجيات عليا مع وزارة الثقافة والإعلام لتكون معارض الكتاب مستراداً قوياً للكتاب السعودي الورقي والرقمي الذي يجب أن يكون جاذباً في مستوى البناء المعرفي والدلالات اللغوية مع أهمية التفرد والاستقلالية السعودية التي يجب أن تحضر في محتوى الكتاب السعودي من خلال التفرد الوطني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً والتنوع البيئي والمناخي والحضور العالمي المهيب،

وهنا تتأتى أصالة الكتاب السعودي وقوة ارتباطه وعلو كعبه بين الأوعية القرائية الأخرى وما يتحقق من خلال ذلك أن التأليف مسؤولية وطنية أيضاً؛ ونرقب أن يتواشج الحراك التأليفي الوطني بحراك نقدي مماثل يكون وسيطاً أميناً بين الناشر والمؤلف ومؤسسات المعرفة والمؤسسات الصحفية؛ وأن ترتب الندوات والملتقيات للمناقشات النقدية حول المؤلفات الوطنية سنوياً والتعريف بها والآراء حولها قبل أن تصطف تلك المؤلفات فوق رفوف معارض الكتاب؛ وأن يدعم ذلك إعلامياً من خلال شبكات التواصل الاجتماعي؛ فقصور التلقي ومسامرة الكتب لا يتهمُ به القارئ وحده إنما يجتمع في ذلك قصور في النشر والنقد والتأليف؛ فلعل وزارة الثقافة بمنهجها الشمولي الجديد تصلح واقع أولئك ليكونوا جميعاً شركاء في القرار الذي يقنع المتلقي «القارئ» بالقيمة الإبداعية للكتاب الوطني، وفي منصات النقد كذلك تحصين لمعارض الكتاب من رداءة الإِنتاج، وهناك أيضاً مبادرات وطنية فردية وجماعية لصناعة القارئ المتفوق الناقد فليتها تكون صديقة حميمة لوزارة الثقافة والإعلام؛ فلا بد من كتاب متفوق يحقق طموح القراءة المتفوقة وشغفها؛ فالكتاب وعاء مختلف لا يعود القارئ منه إلا بترياق مُختلف من المعرفة وفسحة من الأمل ونفحة من الضوء.