محمد العسومي 

 تشهد دولة الكويت تسارعاً غير مسبوق لتنفيذ مشاريع تنموية كبيرة ستشكل في حالة إنجازها نقلة نوعية لهيكلية الاقتصاد الكويتي، الذي ما زالت مساهمة القطاعات غير النفطية فيه لا تتجاوز 38% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعد الأقل تنوعاً من بين الاقتصادات الخليجية، حيث أعلن الشيخ ناصر الصباح – النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع، والذي يقود عملية التنمية والتحديث والتنوع الاقتصادي أثناء كلمته في ملتقى الكويت للاستثمار 2018، والذي عقد الأسبوع الماضي، من «أن المشاريع الجديدة ستوفر 200 ألف وظيفة غير نفطية، وستستقطب ما بين 150 – 200 مليار دولار».

وفي هذا الصدد، ركز الشيخ ناصر الصباح على مشروع الجزر العملاق مشيراً إلى أن «المنطقة الشمالية ستكون عالمية، وأهميتها تكمن في ربط الاقتصاد بالأمن وحماية البلد»، علماً بأن العديد من هذه المشاريع الحيوية قد بدأ العمل به بالفعل، وحققت عمليات الإنجاز نسباً عالية، كميناء مبارك الكبير ومشاريع البتروكيماويات المرتبطة بمصفاة الزور وجسر الشيخ جابر الأحمد ومجمع الشقايا للطاقة المتجددة ومطار الكويت الجديد، وغيرها العديد من المشاريع في مجالات الصناعة والسياحة والترفية والبنى التحتية والتقنيات الحديثة.

والحقيقة أن هناك فرصاً تنموية تملك مقومات النجاح، وستساهم بصورة فعالة في تنويع الدخل القومي، وتقليل الاعتماد على النفط، إلا أن هناك في الوقت نفسه تحديات جادة تتطلب مواجهتها وتذليل العقبات التي تعترض هذا التوجه التنموي الصادق والمهم للمستقبل.

والحال، فإن دولة الكويت تملك القدرات كافة، اللازمة لنجاح توجهها الجديد، فرؤوس الأموال متوافرة بغزارة، كما أن قوة الاقتصاد الكويتي تشجع على استقطاب رؤوس أموال أجنبية، بما في ذلك من البلدان الناشئة سريعة النمو، كالصين والهند، إضافة إلى توافر بنية تحتية متطورة، وسيولة محلية قادرة على المساهمة، إلى جانب الاستثمارات الحكومية، ومؤهلات كويتية تملك خبرات كبيرة، وبالأخص في مجالات الاستثمار وإدارة الأصول. في الوقت نفسه هناك تحديات لا بد من معالجتها لضمان نجاح هذا التوجه، والتي يأتي في مقدمتها تطوير التشريعات والأنظمة الخاصة بالاستثمار، فرؤوس الأموال يهمها كثيراً أن تجد بيئة حاضنة وأنظمة وقوانين ضامنة للحقوق ومحاكم تعتمد على تشريعات شفافة ومرنة، كما أن مسألة الفصل بين مهام مجلس الأمة، كسلطة تشريعية يتجاوز في بعض الأحيان صلاحياته بتدخله في الشؤون اليومية لقطاع الأعمال، مما يتطلب الفصل بين سلطات مختلف الجهات، مع منح الجهات ذات العلاقة بالتنمية صلاحيات أكبر لحماية المستثمرين من خلال التشريعات والأنظمة المقترحة الخاصة بذلك.

وكدليل على أهمية هذا الموضوع يمكن الإشارة إلى حديث علي الغانم، رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت، الذي أشار أثناء فترة انعقاد الملتقى إلى أن «الإصلاح الاقتصادي خجول وبعيد عن الطموح، مشيراً إلى ضرورة التوافق بين السلطات، إذ أن هذا التوافق لم يتحقق حتى الآن» مما يشير إلى أن القطاع الخاص الكويتي، والذي يملك قدرات مالية هائلة ما زال متردداً في المساهمة، ويسعى إلى ضمانات وإلى فصل بين المزايدات الانتخابية للنواب والتوجهات التنموية الساعية لتحقيق أهداف صادقة لتحضير الاقتصاد الكويتي لفترة ما بعد النفط.

لذلك من الضرورة بمكان أن يتم التنسيق والتشاور مع القطاع الخاص وإشراكه في مراحل البناء الجديدة كافة، فالاستثمارات الحكومية وحدها لن تكون قادرة على إنجاز البرنامج التنموي الكبير، والذي سيؤدي إلى بناء اقتصاد كويتي أكثر تنوعاً واستقراراً، وذلك إلى جانب الترويج عالمياً للمشاريع الجديدة لاستقطاب رؤوس أموال أجنبية تملك التكنولوجيا والخبرات التسويقية الضرورية للنجاح.

وإضافة إلى ذلك لا بد من وقف مساعي وتدخلات المنظمات المتطرفة دينياً، والتي وضعت وتضع العراقيل أمام البناء الاقتصادي بحجج لا تستند على مبدأ التسامح الذي يدعو إليه الدين الإسلامي الحنيف، خصوصاً وأن التنمية الاقتصادية ليست شأناً من شؤون هذه المنظمات. وبما أن النجاح الكويتي، هو نجاح لنا جميعاً، ونتمنى أن يتحقق لنرى بعد سنوات قليلة اقتصاداً كويتياً متنوعاً وأكثر ازدهاراً واطمئناناً لفترة ما بعد النفط التي ليست ببعيدة.