جميل مطر

تعقد الجامعة العربية المؤتمر الدوري لقمتها بعد أيام قليلة، وفي ظل تردد محسوس. كثيرون يتوقعون أن تكون هذه القمة، إذا انعقدت وفي الرياض كما هو مقرر، قمة مهمة على غير عادة غالبية القمم العربية في السنوات الأخيرة. يتصور بعض من تابع مسيرة الجامعة العربية أن تكون قمة الرياض مفصلية، وهو التعبير الذي يشي بمعنى معين، معنى أن ما بعد القمة يختلف جذرياً عما قبل القمة. لعله أيضا التعبير الذي يمكن أن يفسر التردد المحسوس الذي يحيط بكل مراحل الإعداد لهذه القمة.


أدرك، ربما أكثر من كثيرين، عمق استهانة الرأي العام العربي وغالبية السياسيين العرب بالجامعة وشؤونها. لهذه الاستهانة، في رأيي، ما يبررها في تاريخ الجامعة البعيد والقريب على حد سواء. تبررها بنود عديدة في قائمة سلبيات يتصدرها سوء أداء الجامعة في كثير من عهودها، سوء أدائها كأمانة عامة ومنظمة إقليمية ومنظمات نوعية متخصصة. قد لا يتسع مجالنا لمهمة تحميل مسؤولية سوء الأداء، ولكن يتعين القول بأن الدول الأعضاء تتحمل القسط الأكبر من هذه المسؤولية.
أعرف، ومثلي آخرون يعرفون، أن الجامعة العربية كمؤسسة من مؤسسات النظام الإقليمي العربي، نظام بسمات مميزة، تتعرض الآن أكثر من أي وقت مضى لاحتمال الاستغناء عن وجودها. كان يقال، وكنت أنا نفسي من القائلين، إن الجامعة في أبسط تجلياتها كانت منصة يتنافس ويزايد من فوقها السياسيون العرب على مواقف قومية. ظل قولي هذا سائداً طالما بقي المد القومي صاعداً. توقف المد ثم انحسر قبل أن يظهر البديل المناسب للمد القومي ولم يظهر ولا ظهر بديل للعمل العربي المشترك في أي شكل وأي مستوى أو صورة مبتكرة.
أظن، وبعض الظن له ما يبرره، أن غالبية الدول الأعضاء في الجامعة مقتنعة بأن الجامعة وصلت إلى طريق مسدود. لا أحد يريد ربط أمنه وبلاده بمنظمة أمن عربية. المألوف الآن والمقبول أيديولوجياً وبراجماتيا الربط بمنظومة أمن أجنبية وبدول جوار غير عربية وشركات ارتزاق عسكرية. لا أحد فيها يعتقد أنه من الصواب وضع خطة تنمية وطنية تعتمد على خطة تنمية عربية تضمن تكامل جوانب من اقتصادات الدول العربية. للجامعة العربية مستقبل، رغم كل ما أصابها وأحاط بها من تحولات في الإقليم والعالم؟ أجيب، وبدون تردد، نعم لها مستقبل. ولدي حجتان. 
حجتي الأولى بسيطة وواضحة. هناك أمور وقضايا لا يزال مطلوباً من العرب مجتمعين اتخاذ موقف موحد في شأن بعضها. أقول مجتمعين لأن بعض القضايا وهي ليست خافية على القارئ اللبيب لا يكفي معها قرار بالأغلبية. الدولة أو الدول العربية التي لديها ما تريد أن تمرره إرضاء لطرف قوي خارجي، وما تريد أن تمرره قد يكون ثقيلا على النفس العربية، تحاول ألا تترك طرفاً عربياً غير مؤيد أو غير راغب فغيابه عن الإجماع يدعم حجج الرافضين ويقوي سواعد المزايدين. 
حجتي الثانية في جوهرها رمزية. أزعم أن لجامعة الدول العربية، على ضعفها وممارسات الاستهانة بها وسوء أدائها المزمن، أفضال على الدول العربية كافة لا يمكن أن تنساها ولا يجوز إخفاؤها عن مواطنيها، وأفضال على الأمة. هذه الأفضال على سبيل السرد والتوضيح وليس الحصر أربعة على الأقل:
*أولا: أكثرية الدول الأعضاء في الجامعة العربية لم تكن قد ظهرت في الساحتين الدولية والإقليمية كدول مستقلة وذات سيادة عند تدشين الجامعة منظمة إقليمية بعضوية سبع دول لا أكثر. يعني أن بعض الدول حصلت على استقلالها بفضل قوى ودول وجهات خارجية تأتي في صدارتها جامعة الدول العربية. يعني كذلك أن الفلسطينيين كشعب عربي يسعى ليحصل على استقلاله وسيادته لن يفقد الأمل نهائياً في الجامعة العربية.
*ثانيا: يعتقد معلقون وسياسيون «إسرائيليون» وغربيون أن وجود الجامعة العربية كان عقبة رئيسية من بين عقبات أخرى عطلت هدف «إسرائيل» والغرب تصفية قضية فلسطين في وقت مبكر. بل إن مسؤولين كباراً في الولايات المتحدة وفرنسا لم يخفوا حقدهم على هذه المنظمة التي وصموها بالعداء للسامية وطالبوا بحلها ورفضوا الاعتراف بها وحاربوا جهود فتح مكتب لها في واشنطن. 
*ثالثا: هذه الأمة خاصة مجتمعاتها الأكاديمية ومنابرها الفكرية وقياداتها الثقافية، يجب أن تشعر بفضل الجامعة العربية في صنع نخبة عربية، أكاديمية وسياسية واقتصادية، ساهمت في وضع أسس لعلم التكامل العربي. *رابعا: في رأيي، يعود الفضل أيضا إلى هذه الجامعة العربية المغلوبة على أمرها في التأكيد المستمر على أن نظاماً إقليمياً عربياً قام في هذه الأنحاء، حدوده معروفة وموثقة تاريخياً وأيديولوجياً. لقد نجحت هذه الجامعة خلال فترة طويلة نسبياً في أن ينشأ جيل عربي أو أكثر واثق تماماً من أن من يقطنون الناحية الأخرى من الحدود هم ليسوا من العرب ولا يجوز بأي حال خلط الهويات على جانبي الحدود أو التنازل عن الهوية العربية لهوية أخرى أعلى أو أدنى. 
أمام هذه الخلفية يجري التحضير لعقد قمة عربية في مدينة الرياض، أي برئاسة المملكة العربية السعودية.