عبدالله الزازان

أخذت العلاقات السعودية - الأميركية شكلًا جديدًا، يعتبر فيه كل من الطرفين الطرف الآخر شريكًا أساسيًا لا بد من أخذ وجهة نظره باهتمام كبير في أي مسعى سياسي أو استراتيجي إقليمي وعالمي..

شهد حفل الشراكة الاستراتيجية السعودية - الأميركية الذي أقيم في قاعة أندر وميلون بواشنطن المرحلة المميزة والقوية، والتلاحم الاستراتيجي في العلاقة الثنائية ما بين الرياض وواشنطن أحال العلاقة الثنائية إلى نسيج ملتحم لا يمكن أن ينظر إليه من خلال الزاوية الاقتصادية وحدها، فقد توسعت وتطورت مسارات العلاقات السعودية - الأميركية لتجيء على مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية والعسكرية، وانتقلت فيه العلاقة الثنائية إلى مرحلة متقدمة ومتفاعلة.

فالمملكة - تاريخيًا - شريك استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، وهي شراكة تقوم على الندية والتكافؤ والرغبة المشتركة، وقد استفادت المملكة من علاقتها وصداقتها الطويلة مع الولايات المتحدة الأميركية في تطوير مواردها الذاتية، وترسيخ بنية اقتصادها الوطني، وتدعيم إمكاناتها الدفاعية.

وهي علاقة ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب، بل هي علاقة تعود إلى أكثر من نصف قرن، ولم تكن هذه العلاقة أحادية الاهتمام أو ذات بعد واحد، بل علاقة تتسم بالتفاعل، وتغطي مساحات واسعة من الاهتمامات المشتركة.

وهذه العلاقة الثنائية على مستواها الدبلوماسي والاستراتيجي في تصاعد قوي ومستمر منذ أول لقاء بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت العام 1945م وإلى اليوم، هذا فيما يتعلق بلقاءات القمة فضلًا عن العلاقة الدبلوماسية على مستوى السفارات والمبعوثين الخاصين، والعلاقات شبه الدبلوماسية التي يخلقها جو التبادل التجاري.

ولذلك فالولايات المتحدة تدرك حجم ودور المملكة الحقيقي كدولة قائدة ومحورية تتمتع بثقل واستقرار اقتصادي وسياسي على مستوى العالم، ومكانة قيادية على مستوى العالم العربي والإسلامي، وهذا لم يكن قصارى وحجم دور المملكة فهي على ساحة الاقتصاد العالمي (الطاقة) العضو الأكبر بحكم حجم الإنتاج، وأحد أكبر الأعضاء الفاعلين في منظمة التجارة العالمية، وأحد الأعضاء الكبار في مجموعة العشرين الاقتصادية الكبرى، وقبل ذلك أحد الأعضاء المؤسسين لمنظمة الأمم المتحدة.

ومع إطلالة هذه المرحلة الجديدة أخذت العلاقات السعودية - الأميركية أشكالًا جديدة أملتها الأوضاع العالمية والمتغيرات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا أخذت العلاقات السعودية - الأميركية شكلًا جديدًا يعتبر فيه كل من الطرفين الطرف الآخر شريكًا أساسيًا لا بد من أخذ وجهة نظره باهتمام كبير في أي مسعى سياسي أو استراتيجي إقليمي وعالمي.

وعندما نقوم بتحليل منطقي للعلاقة الجديدة نجد أن الحس الاقتصادي والاستراتيجي اليوم يقف وراء العلاقات السعودية - الأميركية، والذي يستهدف - من الجانب السعودي - المصلحة الوطنية التي تنظر إلى الوطن في إطار برنامج التحول الوطني رؤية 2030، وهذه الرؤية تستهدف وضع الإنسان السعودي في أرقى المجتمعات البشرية، وهي محل التمسك الكامل من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - فجميع العلاقات ووشائج التعاون السعودي إنما ينظر إليها من الجانب السعودي على أساس خدمتها لهذا الهدف، كما أن الجانب الأميركي من حقه أن ينظر إليها على أساس ما تقدم للمواطن الأميركي.

فالمواطن الأميركي اليوم ينظر إلى أي موضوع من موضوعات السياسة في ضوء سوق الاقتصاد، حيث إن الكساد الاقتصادي الذي شهدته فترة السبعينات الميلادية جعل هذا من أهم الاعتبارات التي يضعها المواطن الأميركي في اعتباره عندما يذهب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية أو العامة، وقد أدت هذه الأوضاع إلى أن ترفع بعض المنظمات ومؤسسات الإعلام صوتها بالانتقاد لسياسات التبادل التجاري الأميركي مثلًا مع اليابان أو الهند أو بعض دول أوروبا، وكان لهذا أثره على كثير من القرارات السياسية الداخلية الأميركية.

في هذا المجال يقف حجم التبادل التجاري السعودي - الأميركي دليلًا على أن التجارة السعودية تلعب دورًا قويًا ومنعشًا للاقتصاد الأميركي بدرجة سوف تلتفت معها جميع المصالح المحلية إلى هذا الدور، وتضعه في الموضع الذي يجب أن يكون فيه من التقدير إذا أتيح للإعلام الأميركي أن يعكس حجم هذا الدور بصدق.

فالمشتريات السعودية من أميركا تفوق حجم مشتريات شريك تجاري قديم للولايات المتحدة الأميركية هو فرنسا، كما تفوق المشتريات السعودية من أميركا حجم مشتريات إيطاليا بكثير، والولايات المتحدة الأميركية هي أكبر شريك تجاري للمملكة منذ نهاية الحرب العظمى وحتى اليوم.