مصطفى زين

 في مصر انتخابات رئاسية. في العراق ولبنان انتخابات نيابية. في البلدان الثلاثة يتجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع إما مراضاة للحاكم أو لزعيم العائلة أو العشيرة أو الطائفة. في البلدان الثلاثة، مع الأخذ في الاعتبار الفوارق في القوانين والتقاليد، يتقرر الفائزون «ديموقراطياً» قبل شهور من الاستحقاق، ويصبح الناخبون مجرد غطاء للعبة.

منذ إطاحة محمد مرسي، تيقن الجميع أن السيسي سيكون الرئيس، فعلى رغم الثورة التي أنهت حكم «الإخوان» وعلى رغم تعدد الاتجاهات التي أفرزتها، لم يترشح في مواجهة المشير عام 2014 سوى حمدين صباحي الذي استعاد الإرث الناصري، من دون الأخذ في الاعتبار التحولات التي حصلت في مصر منذ سبعينات القرن الماضي، خصوصاً التحولات في المؤسسة العسكرية التي أعيدت هيكلتها واتخذت عقيدة مختلفة عن العقيدة القومية الناصرية. وأصبحت لديها مؤسسات ضخمة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسوق المحلية والدولية، ما غير توجهاتها وتحالفاتها، فإسرائيل لم تعد العدو بعد كامب ديفيد، ومفهوم العروبة لم يعد كما كان. ومحاربة الأنظمة «الرجعية»، على ما كان سائداً في الستينات والسبعينات، لم تعد من أولويات أهم مؤسسة وطنية مصرية. واليوم ترشح السيسي وأعيد انتخابه من دون منافس.

في العراق الواقع بين النفوذين الأميركي والإيراني، قانون انتخابات يعتمد النسبية والصوت التفضيلي. وقد فصّل على مقاس الطوائف والمذاهب، مع كوتا للنساء وأخرى للأقليات، أي أن المرشحين موزعون وفق انتماءاتهم الدينية والعرقية، ووفق حصة كل مذهب في السلطة التشريعية وبالتالي في السلطة التنفيذية. ولا خيار أمام العراقي سوى السير مع القطيع أو الوقوف على الهامش والاستغراق في حلم التغيير، أو في الخوف من تجدد الحروب، وعودة الإرهاب الذي لم يغادر البلاد بعد، ويهدد مدنها وقراها المدمرة بفعل المعارك والاحتلال.

وفي العراق أيضاً عامل آخر يتحكم بخيارات الناخبين؛ فللأكراد وضعهم الخاص، وعلى رغم أن إقليمهم شبه مستقل عن المركز إلا أنهم يشاركون في الانتخابات العامة ويدخلون البرلمان للدفاع عن حصتهم في الموازنة و «حقهم» في ضم كركوك وصلاح الدين وديالى ونينوى. وتصاغ كل التشريعات بناء على المحاصصة في الثروة والأرض والنفوذ. ولا ننسى العامل التركي وحصة التركمان وتهديدات أردوغان بالدخول إلى عمق البلاد لاستئصال حزب «العمال الكردستاني».

الانتخابات في العراق لعبة لإدارة الخلافات والحروب التي قد تشتعل في أي وقت، وما الزعماء الذين يستعرضون قواهم الشعبية سوى أدوات في هذه اللعبة التي يدار تسعون في المئة منها من الخارج.

أما في لبنان، فاعتمد للمرة الأولى قانون النسبية بعد تفريغها من محتواها وتحريف هدفها في التمثيل الصحيح، من خلال اعتماد الدائرة الصغرى ودمج بعض الدوائر على أساس مذهبي. وبدأ كل فريق يشد عصب طائفته في الادعاء أنه الأفضل لتحصيل «حقوقها» التي «تغتصبها» الطائفة الأخرى. واعتبر انتخاب ميشال عون (الرئيس القوي على ما يشاع) مرحلة أساسية لاستعادة المسيحيين «حقوقهم»، وها هو صهره وزير الخارجية يصول ويجول في المناطق مؤكداً العمل على استعادة هذه «الحقوق» بالقوة إذا لزم الأمر، آخذاً على خصومه تهاونهم وتقصيرهم في هذا المجال. وقس على ذلك باقي الزعماء من الثنائية الشيعية إلى صراع الزعامات السنية.

وفي عمق المشهد اللبناني ما يشبه، إلى حد بعيد»، الوضع في العراق، فالبلد يتنازعه تياران: تيار مرتبط بالتحالف السوري - الإيراني، وآخر يتماهى مع التوجه الأميركي وتقلبات البيت الأبيض وسياساته المعلنة في الشرق الأوسط. ولكلا التيارين تدخلاته المكشوفة في الانتخابات وتقديم هذا الزعيم على ذاك. ويستعيد المرشحون أجواء الحرب الأهلية، وينشرون الخوف من عودتها لشد عصب طوائفهم. وما الحديث عن خروق لهذه اللائحة أو تلك سوى محاولة لتجميل صورة البرلمان الجديد، فالتشريعات التي سيتخذها لن تصاغ على أساس قانوني بل على أساس المحاصصة والتدخلات الخارجية.

الخلاصة أن الانتخابات في الدول الثلاث لعبة ديموقراطية في الشكل، أما في حقيقتها فمجرد إعادة تعيين مديري الأزمات، إذ إن الديموقراطية تعني في الأساس بناء مؤسسات ترعى مصالح كل الشعب، إلى أي فئة أو طائفة انتمى أفراده، وتعني قضاء مستقلاً يلجأ إليه الحاكم والمحدوم، وتعني حرية الاختيار بعيداً من الخوف من هذا الزعيم أو هذه الأيديولوجيا، وبالتأكيد بعيداً من الخوف من الحروب الأهلية.

الانتخابات في بلادنا لعبة لتكريس اللاديموقراطية.