حسن حنفي

يُقام في الجمعة الأولى من شهر أبريل من كل عام احتفال سنوي بيوم اليتيم. ويزداد نشاط دُور الأيتام في جمع التبرعات. فمن منا لا يود المساهمة في رعاية اليتيم؟ يطلبون بالهواتف، ويقرعون الأبواب. ومادام المرأ قد تبرع مرة فإن اسمه يسجل عندهم؛ يلاحقونه في المناسبات الدينية حتى يندم أنه ضعف مرة واستسلم لدُور الأيتام!

لكن لماذا هو يوم واحد لليتيم، وليس كل الأيام؟ وهل رعاية اليتيم تكون يوماً واحداً أم تكون طيلة العام؟ ولماذا اليتيم وحده؟ فأين الفقير؟ فالفقراء أكثر من الأيتام. اليتيم له دار، لكن الفقير ليس له دار. والفقراء يكوّنون أكثر من ثلاثة أرباع المجتمع، وفي مقدمتهم سكان العشوائيات. اليتيم يجد من يعطف عليه، أما الفقير فقد يكون مدعياً للفقر في شكله وملابسه وطريقة سيره أو تمدده على الرصيف.. لذلك لا أحد يتعاطف معه. وقد يكون الفقير فقيراً لكنه يتعفف، ومع ذلك فيوم للفقير لا يقل أهمية عن يوم لليتيم. الفقر يظهر في الملبس والمأكل والمأوى حتى لو كان أبواه على قيد الحياة. أما اليتيم فهو الذي فقد والده. وكلاهما بحاجة لرعاية نفسية واجتماعية واقتصادية.

ثم أين يوم المسكين أيضاً؟ فالمسكين لا يلقى التعاطف معه مثل اليتيم. قد يكون اليتيم غنياً إذا ما ترك له أبواه ثروة، وهو بحاجة فقط لمن يحافظ له عليها. أما المسكين فأضعف من اليتيم لأنه لا عائل له. وقد يكون عائلا فقيراً مسؤولاً عن زوجة وأولاد. المسكين من لا يستطع عمل شيء لتغيير وضعه الاجتماعي، إذ ليس له من الأمر شيء، فهو على هامش المجتمع.

وأين ابن السبيل أيضاً؟ فهو المسافر والمهاجر الذي طردته الأوطان. وهناك ملايين من أبناء السبيل، خاصة من فلسطين وسوريا والعراق. لقد أصبح الوطن العربي طارداً لأهله، وهم يتجاوزون المئتين والخمسين مليوناً. وأصبحت إسرائيل «وطناً» جاذباً لكل اليهود في العالم وهم لا يتجاوزون أربعة عشر مليوناً!

وأين يوم أطفال الشوارع وهم يلعبون تحت نافذة كل بيت. يهربون من المدارس لأنها لا تعلِّم شيئاً، والمدرسون غائبون.. لذلك فالأطفال لا يكملون تعليمهم، وليس لديهم مهن يزاولونها. فيستقبلهم تجار الأعضاء، مستغلو عمالة الأطفال.

لذلك ربط القرآن الكريم بين هؤلاء الثلاثة، الفقير والمسكين وابن السبيل: ‏«إِنَّمَا ‬الصَّدَقَاتُ ‬لِلْفُقَرَاءِ ‬وَالْمَسَاكِينِ ‬وَالْعَامِلِينَ ‬عَلَيْهَا ‬وَالْمُؤَلَّفَةِ ‬قُلُوبُهُمْ ‬وَفِي ‬الرِّقَابِ ‬وَالْغَارِمِينَ ‬وَفِي ‬سَبِيلِ ‬اللَّهِ ‬وَابْنِ ‬السَّبِيلِ ‬فَرِيضَةً ‬مِنَ ‬اللَّهِ ‬وَاللَّهُ ‬عَلِيمٌ ‬حَكِيمٌ». ‬والعاملون ‬عليها، ‬وهم ‬موظفو ‬الدولة ‬الذين ‬يقومون ‬بتصريف ‬أمور ‬الفقراء ‬والمساكين ‬وأبناء ‬السبيل، ‬بدلاً ‬من ‬مد ‬أيديهم طلباً ‬للرشوة ‬لزيادة ‬دخلهم ‬وإعانتهم ‬على ‬الحياة. ‬والمؤلفة ‬قلوبهم ‬هم ‬غير ‬المنتسبين عقدياً، ‬بدلاً ‬من ‬ترك ‬الساحة ‬للمبشرين ‬يفعلون ‬بهم ‬ما ‬يشاؤون. ‬والغارمون ‬هم ‬أصحاب ‬المدينين ‬وغير ‬القادرين ‬على ‬سداد ديونهم ‬بدلاً ‬من ‬سجنهم ‬أو ‬نزع ‬ممتلكاتهم. ‬والسائلون ‬هم ‬المحتاجون ‬طالبو ‬المساعدة ‬على ‬استحياء ‬من ‬صناديق ‬الزكاة. ‬«وَآتَى ‬الْمَالَ ‬عَلَى ‬حُبِّهِ ‬ذَوِي ‬الْقُرْبَى ‬وَالْيَتَامَى ‬وَالْمَسَاكِينَ ‬وَابْنَ ‬السَّبِيلِ ‬وَالسَّائِلِينَ ‬وَفِي ‬الرِّقَابِ».. ‬وهي ‬ألفاظ ‬تثير ‬الشجن ‬والحزن ‬على ‬قاع ‬المجتمع، ‬والفرق ‬بينه ‬وبين ‬قمته. ‬وكذلك: ‬«وَيُطْعِمُونَ ‬الطَّعَامَ ‬عَلَى ‬حُبِّهِ ‬مِسْكِيناً ‬وَيَتِيماً ‬وَأَسِيراً». ‬والأسير ‬عكس ‬ابن ‬السبيل. ‬الأسير ‬هو ‬من ‬فقد ‬حريته ‬وأسر ‬في ‬الحرب، ‬وارتبط ‬بالأرض، ‬كما ‬تقضي ‬معاهدات ‬جنيف ‬بحسن ‬معاملة ‬الأسرى. ‬ابن ‬السبيل ‬هو ‬من ‬غادر ‬وطنه ‬طوعاً ‬أو ‬كرهاً. ‬والأسير ‬هو ‬من ‬احتجز ‬في غير ‬أرضه ‬وغير وطنه.

ويوم اليتيم والفقير وابن السبيل له نفس الهدف، وهو المساواة الاجتماعية، وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء. فالإسلام دين اجتماعي، والعقائد مثل التوحيد، والشعائر مثل الزكاة.. كلها تخدم قضية العدالة الاجتماعية، أي التوحيد بين الطبقات والإحساس بالآخر.

وهذا هو الدرس المستفاد في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، أي بين الفقراء والأغنياء في الغالب، بين من لا وطن لهم ومن لهم أوطان، بين السوريين والعراقيين، وبين باقي العرب لو كان للعروبة وجود في حياتنا اليوم.