ناصر العيدان

لا يختلف رأي على أن العالم أصبح يموج بكثير من المتغيرات، السياسية والاقتصادية، التي انعكست خططا وتكتلاتٍ على مستوى الدول، فأصبحت الحكومات تجدُّ السيرَ لتأمين جبهتها الخارجية، من خلال التحالفات والمعاهدات والاتفاقيات مع دول أخرى. وتحصين جبهتها الداخلية، من خلال خطط تنموية تعيد توجيه الموارد المتاحة لها، وتتخذ خطوات إجرائية لردم الفجوة بين ما هو قائم ومستوى الطموح المرغوب. 

ولم تكن الكويت بدعا من هذه الدول؛ إذ إنها اعتمدت خطة طويلة المدى للتنمية، تحدد رؤيتها حتى العام 2035، وترتكز على خمسة موضوعات، وسبعة ركائز. 
وقد اطلعت على خطة التنمية، وعلى مشاريعها، فوجدت جهدا رائعا يستحق الشكر، خصوصا في ما يتعلق بشفافية عرض المشاريع، وسهولة عرضها. 
كذلك كان لافتا أن هذه الخطة رأسمالية وتشغيلية في آن معا، وهو ما يعني القدرة على قياس تكلفة هذه الخطة «فعليا». 
وعلى الرغم من أن خطة التنمية تبنت تطوير البنية التحتية واهتمت بتحديثها، وحرصت على تحسين الوجود الإقليمي والعالمي للكويت. وعلى إصلاح النظام التعليمي، والممارسات الإدارية والبيروقراطية، على الرغم من كل ما سبق استوقفني أن عمر هذه المشاريع لا يتعدى خمس سنوات، بينما من المفترض في أي خطة (استراتيجية) أن تكون مشاريعها طويلة الأمد، أي تغطي الفترة المعلنة لهذه الخطة، أي حتى العام 2035. 
إن الفجوة الزمنية بين إنجاز آخر مشروع في الخطة، وعمر الخطة في حاجة إلى مشاريع استراتيجية أكبر، وإلى ربط هذه المشاريع بالمستقبل وفق الركائز التي حددتها الخطة. 
إن معظم مشاريع الخطة تعكس انطباعا بأنها وضعت لشركة وليست لدولة؛ فالشركات تعتمد دائما على حساب الربح والخسارة؛ ولا تهتم كثيرا بالمسؤولية المجتمعية أو الثقافية، أما مشاريع الدولة، فلابد أن ترتكز على أمرين رئيسيين: المواطن والبناء... وهما آخر ما تفكر فيهما العقلية التي تدير الشركات. 
أيضا لم يلفت نظري سوى ستة مشاريع تهتم ببناء المواطن وتنميته، تنمية ثقافية توعوية، وهذا العدد قليل جدا، قياسا إلى الاحتياجات الحقيقية للمجتمع؛ فالمجتمع في حاجة لدعم الدولة في مجالات عدة غير مادية، مثل الاهتمام بالفنون والآداب، وهو ما لم تأت الخطة على ذكره، فلم نجد إشارة إلى بناء مسرح، أو تشييد مشروع ثقافي، أو صرح فني... إلخ. 
الأمر الآخر الذي تمنيت حضوره في الخطة، هو الرؤية الأمنية التي تتناسب والتحديات الأمنية الحاضرة والمستقبلية؛ فالعالم كله يعيش سباقا محموما لمناهضة الإرهاب بكل أنواعه واستئصال شأفته. كما غابت عن الخطة الرؤى التي تتصدى لمشكلات أصبحت جزءا من معاناتنا اليومية، نعايشها ولا نحرك ساكنا لمواجهتها، مثل الازدحام المروري، وعنف الأحداث، والعنف ضد المرأة... وغيرها من التحديات التي لا بد من أن تشملها أي خطة تنموية لتكون مدماكا في استقرار المجتمع وتنميته. 
إن معظم ما لاحظته في خطة «كويت جديدة» هو مشاريع وزارية تم اختيار أهمها وأكبرها لتشكل خطة متكاملة، ومن هنا جاءت النظرة التكتيكية للخطة على حساب النظرة الاستراتيجية، فاحتياجات الوزارات عادة ما تكون لسد نقص طارئ، أو لآتٍ منظور يختص بالعمليات التشغيلية لهذه الوزارات، وليس بالأهداف الاستراتيجية على المدى البعيد، فمثلا: نقص الطاقة الكهربائية في السنوات الماضية استلزم بناء محطات جديدة لسد النقص، لكن هل هذه المحطات ستغطي التوسع العمراني حتى العام 2035؟ ربما نعم، وربما لا! 
إن وجود خطة تنموية عمل رائع يستحق الإشادة، أما الخطوة التي يجب أن تلي وجود هذه الخطة فهي ضرورة العمل على تنميتها ومراجعتها لنملأ كل الفراغات الوقتية فيها حتى العام 2035، وألا نغفل جوانب الأمن والفن والثقافة... لأنها بُنى أساسية وضرورية لبناء مجتمعات مسالمة لا يُهمّش فيها أحد... مجتمعات لديها القدرة على الصمود، وتحفيز الجميع، وتشجيع الابتكار، ومن دون هذه الأركان لا يمكن بناء المجتمعات، لأنها حينئذ تكون غير مؤهلة لذلك البناء.