علي القاسمي

 تحاط دوماً الحوارات التي تختصر كثيراً من مشاريع العمل والأمل، بالمتابعة والتداول والتدقيق في الكلمة الواحدة قبل العبور على الجملة الكاملة التي تحويها، وقد تحاط هذه الحوارات بالتنوع في الطرح والثقل في المحتوى، وتقديم خريطة الطريق بقدر متقن من العبارات الشافية الكافية، والقاطعة لطريق أي سؤال يريد أن يصطاد في الماء العكر، أو يعبث بشيء من الملفات والحكايات العابرة.

كان حوار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية حواراً ثرياً متنوعاً، ومليئاً بالعناوين التي تستحق أن نتوقف عندها ونقرأ منها ومعها الإرادة الصريحة الجريئة للتغيير، والحديث عن التحول الذي لن يكون سهلاً، لكنه سيكون بطابع مختلف وثري ومن أجل مستقبل مستحق.

قدّم «عرّاب» الرؤية والتحول الوطني جملاً في غاية الأهمية والشفافية وتشخيصاً دقيقاً لمشكلات المنطقة، ولعل التحذير من مثلث الشر بأضلاعه الثلاثة إيران والإخوان والإرهابيين تحذيراً متجدداً يشرح طبيعة التحديات التي تواجهها السعودية، والمهام التي يجب عملها في الحد من خطر هذا «الثالوث»، ومن ثم حماية الأمن المحلي والإقليمي ورسم السياسات المناسبة واللازمة. وأتت جملة «أن الإسلام هو دين السلام» بمثابة الترجمة الصحيحة لهذا الدين النقي المعتدل، وذاك يُغني عن حراك هائل وصراع مستمر وجدل لا ينتهي، ويقدم الإسلام الذي يمثلنا حقاً ويحمل معه الرسائل السامية التي نذرع الأرض جيئة وذهاباً لإيصالها والاستماتة دونها وتحمل كل المتاعب من أجلها.

التفاؤل والوضوح ووضع النقاط على الحروف تمثل خريطة الطريق السعودية نحو مستــقبلها ومشروعها التنموي، ويصاحب هذا المشروع ثقل سياسي وقرارات جريئة جادة ورد شجاع مستمر على كل الأكاذيب التي يروج لها عبر العملاء وناكري المواقف التاريخية والمتقلبين مع تقلب مصالحهم وأهدافهم.

الأمير السعودي الشاب يحضر في كل حوار متنوع بالمثير والمثري، يختصر إيصال الأفكار ويطرح المعنى بذكاء بالغ وديبلوماسية متقنة، وبالتأكيد فلن يمر الحوار مرور الكرام على كل الذين يتابعون الحضور السياسي المتنوع والمتوزع على أكثر من وجهة ورصيد، سيكون حواراً مربكاً لـ «الذين يتبنون التلون والعداء الظاهر والمستتر»، ويحاولون المساس بالأمن وتزييف الحقائق وقلب الأوراق، سيكون حواراً مزعجاً لمن سعى وجرى وبث سموم ألا تكون وحدة السعوديين على ما يرام.

المستقبل السعودي المقبل هو مستقبل للاعتدال واحتضان المشارب والأطياف كافة، والعبور نحو الآخر بمفاهيم الوسطية والتعايش والتسامح والحوار. ولمن يحاول الضرب على مصطلح الحرية وكونها ميدان للانفلات والتفتت، استعير واستعيد جملة ولي العهد حين أحاط الحرية في السعودية بثلاثة خطوط حمراء (الإسلام، الأمن الوطني، الهجوم الشخصي)، والخطوط الثلاثة من دون شك تكفي لاستيعاب أن السعوديون باتجاه إصلاح ذكي وتغيير سريع وحياة تقودها معطيات ومسارات العقل لا العاطفة.