عبد العزيز التويجري

 هل يُسلّم العرب بالاحتلال الأجنبي لسورية الذي لا مدى محدداً له، ويرضون بالأمر الواقع وكأن الجرائم البشعة التي ارتكبت فيه كانت أضغاث أحلام؟. أم يصرون على المطالبة بانسحاب القوات الأجنبية المحتلة منه واسترجاع السيادة وعودة الأمن والسلم إليه؟. وهل الأمم المتحدة عاجزة حقاً عن التدخل للضغط على المحتلين للجلاء عن سورية، ومحاسبة المسؤولين عن المآسي الرهيبة المرعبة التي لا تنتهي، والتي ذهب ضحيتها الملايين من المواطنين السوريين، من المهجّرين اللاجئين خارج الوطن، ومن النازحين الشاردين المقتلعين من جذورهم، ومن الشهداء الذين تجاوز تعدادهم نصف المليون، ومن المعذبين في السجون والأقبية بمن فيهم الأطفال والنساء والعجزة، إلى جانب الدمار الشامل الهائل الذي جعل الجزء الأكبر من هذا البلد خرائب وأنقاضاً شاهدة على حجم البؤس الذي لحق به وهول المصير الذي انتهى إليه.

الحقيقة المرّة التي لا بد من الاعتراف بها، هي أن الحل السياسي الذي يحفظ حقوق الشعب السوري ويحمي سيادته على أرضه، لا أمل فيه ولا يصح أن يُطمأن إليه؛ لأن الأبواب كلها مغلقة، والمفاتيح في أيدي المحتلين الذين اقتسموا هذا البلد في ما بينهم فصاروا هم أصحاب الأرض، ولن يفرطوا فيها في تحدّ لا حدّ لضراوته، للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة. ففي ظل استحالة الخروج من الأزمة سلمياً، لا يبقى سوى انتظار ما ستسفر عنه التفاهمات بين اللاعبين الكبار الذين يبدو أنهم اتفقوا على أن يجعلوا من هذا البلد العربي ساحة للعبة الأمم في طبعتها الجديدة. ووفق ظواهر الأشياء، فإن الدول الأربع التي لها قوات في سورية، وهي روسيا، والولايات المتحدة الأميركية، وإيران، وتركيا، لن تنسحب منها. وفي هذه الحالة يستحيل أن تنتهي الأزمة السورية بما يُرضي الشعب السوري المنكوب، ويحقق العدل، ويُعيد الأمن والسلم والاستقرار إلى هذه المنطقة المتفجرة من العالم.

نحن بإزاء واقع بالغ التعقيد، يُطيل معاناة الشعب السوري المريرة، وقد تَتَصَاعَدُ المخاطر الناجمة عنه لتبلغ ذروة الانفجار، الذي إذا ما وقع ستمتدّ مضاعفاته إلى الإقليم كله، ولن تبقى محصورة في سورية فحسب. إنها حالة فريدة على مسرح السياسة الدولية تهدد الأمن والسلم الدوليين. والضحية هو الشعب السوري في المقام الأول، وقد يَتبعُه ضحايا من شعوب أخرى.

إن هذه المتغيّرات الخطيرة، التي يقف أمامها العرب إما عجزاً، أو نأياً بالنفس، أو إيثاراً للسلامة، ستفرض واقعاً جديداً لن يكون في صالح النظام العربي بكل مكوناته، وقد يصبح بداية لتدخلات تقسيمية تهدد ما وراء سورية. ولذا فإن موقف جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والدول الأعضاء فيهما من هذا السيناريو المخيف، يجب أن يكون فاعلاً وحازماً ومؤثراً. وهو ما لم يحدث حتى الآن. ومن المستبعد أن يحدث في المدى القريب.