محمـد أبــوالفضــل

المتابع لقناة الجزيرة القطرية، يجدها بدأت التمهيد مبكرا للنيل من القمة العربية فى الرياض منتصف أبريل الحالي، وأخذت تشحذ هممها للثأر من جامعة الدول العربية، لأن محاولات السيطرة على مفاتيحها الرئيسية باءت بالفشل. وتقود الآن حملة منظمة للتشويش على استعدادات السعودية.

الصعوبات التى تواجهها مؤسسة الجامعة فى العمل المشترك، ليست خافية على كثيرين، مع ذلك حافظت على الحد الأدنى من الحضور والتفاعل مع الأزمات العربية، على المستويين الإقليمى والدولي، وبقى هيكلها الرئيسي، ولم ترضخ لضغوط قطر.

الحملة التى ظهرت مؤشراتها على قناة الجزيرة وتوابعها أخيرا، لم تكن بريئة بالمرة، فهى تريد النيل من مصداقية الجامعة التى وقفت إلى جوار الرباعى العربى (مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، الذى كشف حجم العلاقة بين الدوحة وتنظيمات الإرهاب والعنف والتطرف فى المنطقة.

المتابع لما دار فى كواليس الجامعة العربية خلال الأعوام الماضية، يلاحظ أن قطر سعت لاستثمار النتائج السلبية التى أفرزتها الثورات فى بعض البلدان، أملا فى وضع يدها على مفاصل العمل العربي، من خلال الترويج لمرشحها عام 2011، أو عبر من تولوا منصب الأمين العام، لكنهم امتنعوا عن التجاوب مع تنفيذ أغراضها فى بعض القضايا إلا قليلا.

الخطة التى رسمتها قطر، قامت على الاستفادة من انشغال مصر بهمومها الداخلية، وصعود التيار الإسلامى فى بعض الدول العربية، لكنها تلقت ضربة قوية عندما انتبهت مصر لما تدبره الدوحة، وفوتت عليها فرصة اختطاف المنصب والقرار فى الجامعة العربية.

الابتزاز الذى كانت تمارسه قطر لبعض الدول لم يستمر طويلا. والانتقائية التى تعاملت بها مع كثير من القضايا المطروحة فى المنطقة أصبحت أبعادها واضحة. ولى أعناق بعض الملفات، كان ظاهرا بصورة تصب فى مصلحة دول غير عربية وجدت فى مؤسسة الجامعة خطرا على مصالحها، بحكم ديمومة اجتماعاتها على مستويات، القمة والوزراء والمندوبين، ما يعنى أنها لا تزال تنبض بالحياة، على الرغم من التآكل الذى نخر فى بعض أطرافها.

نعم فقدت الجامعة العربية جانبا من بريقها السياسى لدى البعض، لكن وجودها كرمز أصبح شوكة فى حلق قوى ترمى للهيمنة على المنطقة. فى مقدمتها إيران وتركيا، وهما من أهم حلفاء قطر، وتستند إليهما فى مواجهة الدول التى كشفت مخططاتها لتفتيت الكيانات العربية، الأمر الذى ظهر فى سوريا والعراق واليمن وليبيا. وهناك موقفان كاشفان لهذه العلاقة.

الأول، عندما استخدت الجامعة العربية لهجة حادة فى ختام الاجتماع الوزارى العربى فى مارس الماضي، لإدانة الصواريخ التى أطلقها الحوثيون فى اليمن على الأراضى السعودية. يومها وصف الرئيس الإيرانى حسن روحانى الجامعة بأنها «مؤسسة متعفنة». وشن الإعلام القطرى بالتوازى حملة ضارية عليها، لأن موقفها كان مناهضا لممارسات طهران ورافضا لأطماعها الإقليمية.

الموقف الثاني، ظهرت معالمه فى الغضب الذى عبر عنه مولود حمروش وزير خارجية تركيا فى اللقاء الذى جمعه مع أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة، على هامش اجتماعات مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبى فى فبراير الماضي، عندما زعم حمروش أن الجامعة وقفت فى طريق الأردنيين والفلسطينيين ومنظمة المؤتمر الإسلامى للتصدى لقرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نقل سفارة بلاده للقدس المحتلة.

هذه النوعية من المواقف تبين حجم الشوفينية الإيرانية والتركية، وتؤكد أن هناك رغبة عارمة فى الهيمنة على المنطقة العربية، وأى دولة أو جهة أو مؤسسة تحمل فى قلبها نبضا عربيا تمثل عائقا أمام رغبات طهران وأنقرة، وهو ما يتسق مع ما تقوم به الدوحة وأدواتها السياسية والإعلامية، التى تصب حصيلتها فى مصلحة كليهما.

الالتصاق فى المواقف القطرية تزايدت ملامحه عقب مقاطعة الرباعى العربى للدوحة، تحت مبرر البحث عن حماية إقليمية جديدة. والحقيقة أن التقارب بين الجانبين ظهر منذ فترة عبر تبنى قطر أجندة تتسق مع رغبات الدولتين، فِى مقدمة أولوياتها العمل على هدم المؤسسة التى تحتوى الدول العربية، تمهيدا لإيجاد مظلة لا تحمل الهوية العربية.

التصعيد الذى تقوم به الجزيرة وأخواتها الآن، يتجاوز حدود هدم الجامعة، ويستهدف السعودية التى سوف تقود العمل العربى لمدة عام مقبل، ما يعنى المزيد من كبح الجموح القطري، والحفاظ على قدر جيد من التماسك والرؤية المشتركة، والوقوف بقسوة فى وجه طموحات كل من إيران وتركيا فى المنطقة العربية.

الشكوك المنظمة التى تثيرها الدوحة، هدفها الضغط على مؤسسة القمة العربية وحرف مسار عن الاهتمام بالإرهاب وتدخلات طهران السافرة وجنوح أنقرة للعنف، وشغلها بقضايا جانبية تلفت الانتباه بعيدا عن هذه الملفات الجوهرية. وتلعب قطر فى هذا المضمار دور رأس الحربة للدولتين لتخريب التحركات الهادفة لحشرهما فى زاوية ضيقة.

قمة الرياض متوقع أن تكون فاصلة فى القضايا التى ستطرح عليها، والقرارات المتوقع أن تصدر عنها، والخطوات التنفيذية التالية. فلم تعد الأمور تتحمل مناقشة قضايا مركزية وصدور قرارات دون أن ترافقها مواقف صارمة تعمل على تنفيذها عمليا.

الرعونة التى بدت على كثير من تصرفات الدوحة تخفى وراءها فشلا فى تحريك المشهد الإقليمى بما يخدم أهدافها، عقب صمود الضغوط التى يمارسها الرباعى العربي، والفشل فى استمالة قوى دولية داعمة.

لم تجد قطر وسيلة سوى الاحتماء بكل من طهران وأنقرة، وهو ما وجدت فيه بعض الأطراف أداة لتكريس التفسخ داخل الدائرة العربية. وإذا كانت الدوحة نجحت فى استقطاب دول عربية كى تقف مع أو قريبا من حساباتها الخفية، فقد فشلت فى تمزيق الكيان الذى يضم هؤلاء. استمرار عمل الدوحة بهذه الطريقة يؤثر سلبيا على مؤسسة الجامعة العربية. لذلك انتبهت الدول الكبيرة لما تخطط له، واتخذت تدابير تحول دون تحقيق أغراضها من خلال الحضور الكثيف للرؤساء والملوك والزعماء العرب المتوقع فى قمة الرياض. وهى إشارة بالغة وكفيلة لتوجيه لطمة على وجه الراغبين فى التسريع بإعلان وفاة الجامعة العربية.