عبدالله العوضي

القدس الخيط الأخير في الصراع العربي- الإسرائيلي بعد رفع صوت «صفقة القرن» لتصفية القضية الفلسطينية دون أن تقدم إسرائيل الثمن الحقيقي لهذه الصفعة السياسية الراهنة.

بدأت نبرات من العالم العربي تتحدث ليس على استحياء عن القدس وهو طرح لم نسمع عنه منذ عقود الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية من بعد «وعد بلفور» الذي لم يتجرأ أحد حتى الساعة على خُلفِه.

نقرأ عن وسائل التواصل الاجتماعي ما يقرع أذاننا ويؤذي قلوبنا عن مواقف «مخزية» تجاه القضية الفلسطينية، فيها شعور بالملل والتذمر والإحباط يقول أحدهم «يا أخي ملينا، خلوا أصحاب القضية يديروا شؤونهم واحنا مالنا».

كنت مع والدي الأمي رحمه الله يوم كان يصطحبني إلى تخليص بعض المعاملات في الدوائر الرسمية لإمارة دبي ويدفع بعض الرسوم ومن ضمنها «رسم فلسطين»، فيسأل عن هذا «الرسم» فيقال له لإخواننا في فلسطين المحتلة من قبل الصهاينة، فيجيب «وحليلهم، يستاهلون أكثر». هذا أبي رحمه الله، جاء اليوم الذي لا أب له، فقد تحول الوسيط الأميركي إلى منحاز بدرجة 100% من ساعة الإعلان عن نقل السفارة إلى القدس، وقد سئل أحد الأميركيين عن هذا القرار، فأجاب ساخراً: لماذا تريد أميركا نقل سفارتها من تل أبيب إلى دولة أخرى، يعني «فلسطين المحتلة». الأميركي العادي مقتنع بذلك، وإن كان الأميركي المسيس يمارس أدواراً خلاف ذلك بعد عقود من رعاية القضية، حتى ساعة تهديد ترامب بقطع المعونات المالية عن الفلسطينيين واتهامهم بأنهم لم يقدّروا هذه المساعدات، لأنها كانت منة يجب اليوم وقف الإدلاء بها أمام الملأ.

نقول لترامب مر عشر سنوات على حصار غزة من قبل العالم أجمع فهل مات طفل هناك جوعاً وهل وقفت المدارس والجامعات عن تخريج الدفعات تلو الأخرى في بحر أكثر من مليونين من البشر محصورين في شبر من الأرض، فالصراع على فلسطين لا علاقة له بتجويع الشعب الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة، بل في وجود هذا الشعب إلى الأبد وزوال الاحتلال مهما طال الأمد.

عندما يتنازل أهل الأرض عن حقهم، من الطبيعي أن تتقوى كل دول العالم المتقدم بتخاذلهم وتراجعهم وتقديم كافة التنازلات التي لا تشبع إسرائيل التي أخرجت «أبومازن» من طوره، ومن ربقة كل الأعراف السياسية لينعت السفير الأميركي لإسرائيل بـ«ابن الكلب»، هذا النوع من الصراع اللفظي لم يكن ليقع لولا خروج أصل القضية من كل الأطوار في كافة القوانين الدولية التي تنص على أن على المحتل أن يحترم حدوده ويؤدي كافة واجباته تجاه من قام باغتصاب أرضه والآن يريد استكمال احتلال عقله وسيادته وإدارته وإرادته.

السفير الأميركي لإسرائيل كان المحامي الشخصي لترامب قبل أن يصبح ممثلاً لبلاده في تل أبيب، يناصر بناء المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، ولا يعترف المجتمع الدولي بالمستوطنات ويعتبرها غير قانونية.

وانتشى نتنياهو لإدانة البيت الأبيض عن الإهانة معلقاً: للمرة الأولى منذ عقود، توقفت الإدارة الأميركية عن تدليل القادة الفلسطينيين وتقول لهم «هذا يكفي».

لماذا؟ لأن لدى الراعي الأميركي مشروعاً في «أبوديس» بدلاً من «القدس الشريف» وهو ما أزعج كل الفلسطينيين قادة وشعباً فما يلتقي عنده القادة، قد لا ينطبق على الشعب ذاته الذي انتفض بنسائه قبل رجاله وفك حصار المسجد الأقصى قبل فترة قصيرة، مع وجود الإسرائيلي المدجج بكل أثقال الأسلحة الحديثة والتقليدية. فالصراع الحقيقي على الأرض وليس على طاولة المفاوضات سواء كانت النتيجة «صفقة» رابحة للعالمين أو «صفعة» سياسية لمن خلفها ومن يدفع بها دفعاً نحو صحراء سيناء، وقد باتت خيوطها مثل شعاع الشمس، بعد أن كانت الصفقات السياسية تعقد في ظلمات الليل الدامس. ويركل نتنياهو الكرة الفلسطينية إلى المرمى الإيراني عندما قال «إن إسرائيل لن تسمح للنظام في إيران بلف حبل مشنقة الإرهاب على رقابنا». ولكن النظام الإيراني من ناحية أخرى يطمئن إسرائيل على وجودها وليس زوالها كما كان «نجاد» يصرح بطاقة انتخابية بامتياز. قال عراقجي في مقابلة مع «بي بي سي»: إن وجود إيران في سوريا لا يهدف إلى خلق جبهة جديدة ضد إسرائيل ولكن لمحاربة الإرهاب، ولكن إسرائيل ماضية في إصدار تشريع يصعِّب التخلي عن جزء من القدس في أي اتفاق للسلام باشتراط موافقة أغلبية ثلثي أعضاء الكنيست في التصويت بشأن هذا التخلي، وحتى صوت الكنيست طوال أكبر من سبعة عقود من زمن الصراع لم ولن ينهي الوجود الفلسطيني في «قدس الأقداس».