فضيلة الفاروق

لم يكن مقال عبدالله بن عبدالرحمن الربدي حول أفضلية أداء النساء في أسواق الأسهم مجرّد مقال، إنه أكثر من ذلك، كونه أعطى حقيقة اقتصادية رابطاً معطياتها بحقيقة علمية تم اكتشافها في منتصف القرن الماضي. وقد نبهنا كاتب المقال إلى نقطة «الثقة المفرطة» التي بحث فيها البروفيسور في الاقتصاد السلوكي «تيرنس أودين» وخلص فيه إلى أن النساء يتفوقن على الرجال في أدائهن في الأسواق المالية بما يقارب الواحد بالمئة سنوياً، وهذا راجع لفروقات في السلوك، كون الرجل أكثر اندفاعاً من المرأة، وأقل تخوفاً من خوض المغامرة، وأكثر ثقة بنفسه على أنه «الرّابح»!

وإن كان هذا هو الوضع في عالم السوق والأموال، فإن الأمور بالنسبة للمرأة تبدو أسهل بكثير في باقي أمور الحياة ونشاطاتها، ولنأخذ على سبيل المثال عالم الرواية، الذي خاضه الرجل دون أن يغير الكثير حتى برزت كاتبات غيّرن شكل المشهد الروائي تماماً بأساليبهن الحكائية.

ذلك أن جهابذة النقد الأدبي نظروا إلى الرواية السعودية على أنها تجربة محتشمة، مقارنة بما يُكتب في باقي الدول الشهيرة بالأسبقية في مجال السرديات الطويلة، إلى أن ظهرت «الرواية النسائية السعودية» لا كنصٍّ سعودي فقط، بل كأدب شجاع لم يخادع ولم يهادن، ولم يتوارَ خلف عباءة الرجل، فصَعَق جهلنا، ثم جرّنا لنعيد قراءة الأدب السعودي دون تلك «العنصرية» التي مورست عليه على مدى عشرات السنين انطلاقاً من نصوص قليلة.

فتحت المرأة السعودية الأبواب على مصراعيها لقارئ مختلف كثيراً ما تمناه أدباء البلد، وغيّرت قواعد التلقي التي حصرت الأدب السعودي في محلية ظالمة.

صحيح أن نسبة الهرج والمرج التي لاحقت النتاج النسائي الأدبي في السعودية كانت عالية، لكن هل كان ذلك السكون الواثق الذي أطلق الأدباء الرجال خلاله أدبهم مناسباً لقطف الثمار التي قطفوها حين خرجت الأقلام النسائية للنور؟

لكأن المرأة في ذلك المحيط الذي صممه بعض الرجال معتقدين أنه سيظل السائد الأبدي، كانت على دراية أن المجابهة المبكرة لتلك العقليات الرافضة للانفتاح والتغيير لن تؤت بثمارها، فعكفت على تطوير نفسها بهدوء، وبخطوات مدروسة، حتى حلّت بركات العهد الجديد عليها بما حمله من نسائم أحيت القلوب، وينابيع فجّرت الحياة في الأراضي العطشى.

وإن ظلّ البعض من الخارج السعودي غير مصدق أن الطاقات النسائية غير مجدية، فإنّ الوقت حان للتأكد أنّه يُعَوَّل عليها، وأنها محلّ هذه الثقة الكبيرة التي وضعت فيها، وهذا كل ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم؛ ليستعيد توازنه ويخرج من الأنفاق المظلمة، يحتاج إلى تلك المرأة المتنورة، الواثقة الخطى، المتعقلة، الذكية، الحاملة لرسالة عظيمة لتحريك رغبات التفوق وتحقيقه.