خالد العضاض

حديث الأمير نايف بن عبد العزيز –رحمه الله- لصحيفة السياسة الكويتية يُعد وثيقة تاريخية مهمة تدل دلالة واضحة وعميقة على أن الموقف الحقيقي التاريخي للسعودية لا يتغير مع تغير الأشخاص..

في أواخر عام 1999، وفي ركن منزوٍ في فندق السلمان بمدينة بريدة، كنت جالسًا بين يدي القيادي الأبرز في جماعة الإخوان في السعودية حاليًا، وتجاذبنا أطراف الحديث حول مسائل متعددة، من أهمها الوهابية وأثرها المدمر على وحدة المسلمين العاملين في الحقل الإسلامي الحركي تحديدًا، وأنها سببٌ رئيسٌ في بعض المصائب التي ابتليت بها الأمة سواء الوهابية السياسية على حد تعبيره أو الوهابية العقائدية، ثم تحدث عن رمز صحوي مهم في مدينة بريدة، قائلًا: تكمن مشكلته في أنه اعتمد على الشباب فيما قام به ابتداء، والشباب جدار مائل بلا أساس، ولذلك خُذل ولم يجد الظهر والسند الذي يقف معه ويدعمه، وكان الأمر سيكون مختلفًا لو كان في تنظيم يعمل ويرتب ويخطط وينفذ باحترافية، وحتى أولئك الشباب الذين تعرضوا للاعتقال لو كانوا في الإخوان لوجدوا من يخلفهم في أهلهم، ولما تأثرت عوائلهم بتغييبهم في المعتقلات كما زعم. 
وفي أحد صباحات نوفمبر 2002 - شهر رمضان المبارك 1423- كنت في استقبال القيادي الإخواني ذاته في مطار القصيم، وكانت في يده جريدة الجزيرة، وما إن ركبنا السيارة، حتى فتح الجريدة عند المنتصف، وبادرني بسؤال، هل قرأت صحف اليوم؟، فقلت: كلا، أقرؤها عادة بعد الظهر، فطفق الرجل يكيل التهكمات على حديث صاعق للأمير نايف بن عبد العزيز-رحمه الله- وزير الداخلية حينها، أجراه معه الأستاذ أحمد الجارالله في صحيفة السياسة الكويتية، ونُشر بعد صحيفة السياسة الكويتية بيوم واحد في الصحف السعودية، ومنها صحيفة الجزيرة التي وقعت في يد صاحبنا وهو قادم عن طريق الجو من الرياض إلى القصيم، وكان طيلة الوقت يتحدث عن بطولات ومناقب الإخوان وتضحياتهم، وأنهم هم من حفظ البقية الباقية من كرامة العرب والمسلمين، ثم التفت إلي بوجهه قائلًا: هل يعلم الأمير نايف عن وجود مجلس شورى للإخوان في السعودية؟!
حينها كان الرجل نائبًا للرئيس في ذلك المجلس، قبل أن يصبح رئيسًا له بعد سنوات من هذا التاريخ، كان من الواضح الأثر العميق لحديث الأمير الراحل، على التنظيم في الداخل من خلال ردة فعل الرجل الأقوى فيه.
المدهش الذي يصيبك بالحيرة خروج هذا الداعية والمفكر عدة مرات نافيًا وبشكل فج وجود تنظيم إخواني ذي بيعة وولاء لمرشد المقطم، ولو أنه صمت على الأقل لكان أحفظ لماء وجهه، لكن أن يمارس الكذب على رؤوس الأشهاد بكل صفاقة، وأكثر من مرة، بل وفي كل حديث له بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فهذا أمر يجعل مصداقيته وتدينه المزعوم أضعف من هراء.
ولأهمية حديث الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد السعودي السابق –رحمه الله- أختزل لكم أبرز ما قاله لصحيفة السياسة الكويتية حول جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، إذ يعد حديثه – طيب الله ثراه- وثيقة تاريخية مهمة تدل دلالة واضحة وعميقة على أن الموقف الحقيقي التاريخي للمملكة العربية السعودية لا يتغير مع تغير الأشخاص، لأن المملكة قائمة على مبدأ الحكم المؤسسي ذي الاستمرارية والثبات:
1. أسوأ ما حدث لنا أثناء تحملي لمسؤولياتي هو الاعتداء على الحرم الذي أنهيناه في أسبوعين، كان لهذا الاعتداء بوادر لكنها لم تكن تصل إلى حد أنه يمكن فيه الاعتداء على الحرم، وللأسف كانت مراجع المعتدين ومصادرهم من الكويت دار الطليعة التي كانت مصدر كتبهم، وكانت إلى جانبهم تنظيمات أخرى منهم ممن تأثروا بالإخوان المسلمين.
2. أقولها من دون تردد: إن مشكلاتنا كلها -وسمها ما شئت- جاءت من الإخوان المسلمين وأقول بحكم مسؤوليتي: إن الإخوان المسلمين لما اشتدت عليهم الأمور وعلقت لهم المشانق في دولهم لجؤوا إلى المملكة، وتحملتهم وصانتهم وحفظت حياتهم -بفضل الله- وحفظت كرامتهم ومحارمهم وجعلتهم آمنين، إخواننا في الدول العربية الأخرى قبلوا بالوضع وقالوا: إنه لا يجب أن يتحركوا من المملكة، استضفناهم وهذا واجب وحسنة، بعد بقائهم لسنوات بين ظهرانينا، وجدنا أنهم يطلبون العمل فأوجدنا لهم السبل. ففيهم مدرسون وعمداء فتحنا أمامهم أبواب المدارس وفتحنا لهم الجامعات، ولكن للأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة، فأخذوا يجندون الناس وينشئون التيارات وأصبحوا ضد المملكة والله يقول: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
3. أذكر أن عالماً فذًا هو الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- عمل عندنا ثم توفي ودفن في المدينة المنورة كتب كتابا قديما تعرض فيه للملك عبد العزيز -رحمه الله- وعندما جاء وعمل في المملكة في كلية الشريعة في جامعة أم القرى في مكة التقيته وقلت له: يا فضيلة الشيخ أنت تعرضت للمملكة ولموحدها، وأسألك بالله هل ما قلته في كتابك صحيح؟ قال: قسمًا بالله لا، لكني لا أستطيع أن أغير ما قلت وأنا في المملكة، إذا خرجت منها سأكتب.
4. وأذكر أن أحد الإخوان البارزين تجنس بالجنسية السعودية وعاش في المملكة 40 سنة، ولما سئل من مثلك الأعلى؟ قال: مثلي الأعلى حسن البنا. كنت أنتظر منه أن يقول: مثلي الأعلى محمد عليه الصلاة والسلام، أو أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي، أو أحد أصحاب رسول الله. ما معنى اختياره لحسن البنا؟ معناه أن الرجل ما زال ملتزمًا بأفكار حزب الإخوان المسلمين الذي دمر العالم العربي. 
5. أقول لك بصراحة: إن الإخوان المسلمين أساؤوا للمملكة كثيرًا وسببوا لها مشاكل كثيرة. خذ عندك حسن الترابي، لقد عاش في المملكة ودرَّس في جامعة الملك عبد العزيز وأنا شخصيًا أعتبره صديقي، وكان يمر علي دائمًا وخصوصًا عندما عمل في الإمارات، لا يأتي إلى المملكة إلا ويزورني، وما إن وصل إلى السلطة حتى انقلب على المملكة وخصوصيتها. وذات مرة أنشأت المملكة مطارًا في السودان بعد تسلم الترابي للسلطة، فحضر وفد سعودي لتسليمه إياه ولم يقل شكرًا للمملكة على ما فعلت. 
6. عندما حصل غزو العراق للكويت جاءنا علماء كثيرون على رأسهم عبدالرحمن خليفة، ومعهم الغنوشي، والترابي والزنداني وأربكان وآخرون، أول ما وصلوا اجتمعوا بالملك وبولي العهد وقلنا لهم: هل تقبلون بغزو دولة لدولة، هل الكويت تهدد العراق؟ قالوا: والله نحن أتينا فقط لنسمع ونأخذ الآراء، بعد ذلك وصلوا العراق ونفاجأ بهم يصدرون بيانًا يؤيد الغزو العراقي للكويت. 
هذا جزء من أبرز ما جاء في حديث الأمير نايف بن عبد العزيز، وهو أحد أهم أبرز الخبراء في مجال حركات الإسلام السياسي، وعلى دراية كبيرة وتامة وكاملة بدهاليزهم المظلمة وأقبيتهم المنتنة، إذ عاصر توافدهم على المملكة، وعاصر كل مصائبهم حتى وفاته -رحمه الله- من موقع المسؤولية الأمنية.