فايز الشهري

عُقدت أول قمّة عربيّة سنة 1946 في منتجع زهراء إنشاص القريب من القاهرة بدعوة من الملك فاروق حاكم مصر حينها، بمشاركة ملوك ورؤساء سبع دول عربيّة، وهي المملكة ومصر واليمن والعراق والأردن وسوريّة ولبنان (المؤسسون للجامعة العربيّة)، كان موضوع القمّة الرئيس هو فلسطين، وتم الاتفاق وقتها على رفض تقرير لجنة التحقيق البريطانيّة - الأميركيّة المشتركة، وإعلان العرب التمسك باستقلال فلسطين وصيانة عروبتها.

ثم كانت القمّة الثانية العام 1956، في لبنان لبحث آثار العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة، ثم توالت القمم بعد ذلك، منها قمتان في القاهرة والإسكندريّة العام 1964، وتلتها قمم الستينات في الدار البيضاء والخرطوم والرباط، ثم القاهرة (1970)، تلتها الجزائر (1973)، وكانت تلك القمم في المجمل تركز على قضيتين: تحرير فلسطين ودعم تحرر الدول العربيّة، وتدعو للتنسيق وتكامل الجهود العربيّة. وفي كل تلك القمم كان للمخاطر الخارجيّة المشتركة الصوت الأقوى على الرغم من الشروخ التي حدثت نتيجة طموح عبدالناصر وجموح البعثيين واليسار.

ومنذ قمّة الرياض الاستثنائيّة في أكتوبر 1976 كانت المشكلات العربيّة - العربيّة هي الشغل الشاغل لعقلاء العرب، ففي هذه القمّة كانت الحرب الأهليّة اللبنانيّة قطعت عامها الأول دون حلول، وكان بيان القمّة وتوصياتها في مجملهما نداءات لوقف العبث والصراع، وتم في ذلك الاجتماع إقرار تشكيل قوات الردع العربيّة للفصل بين المتقاتلين.

ثم كرت السبحة فأصبحت القمم العربيّة اللاحقة تعقد إما لقطيعة دولة عربيّة أو إطفاء حرائق عربيّة، وهكذا كانت قمّة بغداد (1978) التي قررت تعليق عضويّة مصر، وهو ما أكدته القمم اللاحقة التي غالباً ما تتضمن توصياتها الموافقة على استمرار مقاطعة مصر، وفي قمّة فاس (1981) كانت القمّة منشغلة بالشقيق العراقي الذي نشب في حرب ضروس مع إيران فسانده العرب بكل الجهود، ولكن هذا الشقيق العربي المارق ظل الشغل الشاغل لكل القمم العربيّة اللاحقة حتى كانت فاجعة احتلاله للكويت في أغسطس 1990، لتقرر قمّة القاهرة في ذات الشهر أن هذا الشقيق غادر محتل وينبغي طرده من الكويت، فكانت الحرب الأكبر في المنطقة والدمار الأشمل للعراق.

ثم توالت القمم وفي كل قمّة غصة عربيّة وخلافات رئاسيّة حتى حلّ خراب (الخريف) العربي، فلم يزدنا إلا شقاقاً، ولم يزد السياسة العربيّة إلا نفاقاً، وكان أن انتقلت الشروخ من ضمير الرؤساء إلى أرواح الشعوب التي سُيرت على غير هدى بتمويل شقيق وتخطيط خصم وتربص عدو.

وها نحن نستشرف القمّة العربيّة التاسعة والعشرين (14 - 15 فبراير 2018) التي تستضيفها المملكة في مدينة الدمّام، هناك آمال كبار أن تكون قمّة الدمّام قمّة الأمل لتشخيص الداء، وكشف حساب لمن أدخل الغريب والمريب إلى بيتنا العربي، حتى وإن خلا بيان القمّة من وضع الوسوم على الخصوم من بعض أهلنا، أمّا وإن غلبت العاطفة العربيّة مثل كل مرّة فلا جديد، فقد قال الشاعر العربي يوماً:

إذا احتربت يوما فسالت دماؤها

تذكرت القربى فسالت دموعها

وفي ذمّة الله دماء الأبرياء التي أهرقها وكلاء الفوضى الخلاّقة قرابين للفتنة.

قال ومضى:

من تألمّ تكلّم..