ميشال أبو نجم

لم تخفِ أودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو حماسها للعمل مع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي ومشاركة اليونيسكو بشكل فعال في رؤية السعودية 2030 والتي يعتبر عرابها الأول ولي العهد السعودي، إذا ترى أزولاي أن الانفتاح الذي تعيشه السعودية حاليا يتطابق في أولوياته الكبرى مع طموحات منظمة اليونيسكو وتحديدا التركيز على البعد الإنساني في العولمة، مضيفة أن الطريق إلى ذلك يكون من خلال تركيز الجهود للوصول إلى نوعية تعليم عالية المستوى والكفاءة وهو ما تعمل عليه السعودية حاليا.


أزولاي التي عملت قبل أن تفوز بمنصب مديرة منظمة اليونيسكو نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وزيرة للثقافة في آخر حكومة للرئيس فرنسوا هولاند، ذكرت في حوار مع «الشرق الأوسط» السعودية شريك مهم لمنظمة اليونيسكو منذ زمن طويل وتعملان على كثير من المجالات ومنها تعميم ثقافة السلام والحوار الثقافي وبين الأديان فضلا عن الترويج للغة العربية والرياضة.
وأشارت أزولاي إلى أن اليونيسكو تعمل على برنامج لإعادة ترميم الكثير من الآثار في الدول العربية والتي تضررت من الحروب والدمار خاصة في العراق وسوريا، مبدية رغبتها بأن تعمل على شراكة مع السعودية لتنفيذ هذا المشروع، وإلى نص الحوار: 


-بداية دعيني أسالك، يقود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عملية تحول عميقة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وفق رؤية السعودية 2030، كيف ترين مساهمة منظمة اليونيسكو، وهي منظمة عالمية في المشاركة في هذه الرؤية ونجاحها خاصة وأن رؤية 2030 فيها جزء كبير نحو الثقافة والتغيرات الاجتماعية؟

- نعم، السعودية تعيش في الوقت الحاضر حالة جديدة وتوجها نحو الانفتاح الذي يدفع به الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وهنا أريد أن أذكر بشكل خاص الخطوات المهمة التي تحققت في مجال حقوق المرأة وتحديدا في ميدان التعليم العالي في السعودية وهو أمر إيجابي، كما أن «معركة» الذهاب إلى المساواة بين الرجل والمرأة عزيزة على قلبي وآمل أن أستمر بالعمل من أجلها في إطار اليونيسكو.

لكن، أبعد من ذلك، ما أراه مثيرا للانتباه والمتابعة، أن المسار الذي اختارته السعودية يتطابق في أولوياته الكبرى التي يتم التركيز عليها مع طموحات اليونيسكو وتحديدا التركيز على البعد الإنساني في العولمة، والطريق إلى ذلك تمر من خلال تركيز الجهود للوصول إلى نوعية تعاليم عالية المستوى والكفاءة. إنها بنظري المبتغى الأهم في هذه العملية.

بالإضافة إلى ما سبق، ما يبدو لي مهما في المسار السعودي الجديد هو إطلاق دينامية ثقافية جديدة ويثير الانتباه في ذلك مشروع «نيوم» الذي سيكون فضاء ثقافيا ورياضيا يعتمد على أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا. كذلك أود أن أشير إلى مشروع إعادة فتح صالات السينما في العاصمة الرياض والمدن السعودية الأخرى.
أخيرا، أود أن أقول، فيما يتعلق بالتراث الثقافي، إن السعودية غنية بالكثير من المواقع الثقافية الرائعة، وفي هذا السياق، فإن لليونيسكو دورا تستطيع، على ما أعتقد، أن تلعبه لمواكبة السعودية في جهودها للمحافظة على هذا التراث والتعريف به في إطار خطة التنمية المستدامة. أنا أعلم أن للسعودية خططا لإطلاق وتطوير مشاريع مهمة تندرج في إطار التنمية الاقتصادية. وخلاصتي أن الرياض تستطيع الاعتماد على دعم اليونيسكو.


-السعودية بشكل واضح عازمة على تعزيز علاقاتها وتعاونها مع اليونيسكو، ما المجالات وما المشاريع الإضافية التي يمكن التعاون بشأنها؟

- السعودية شريك اليونيسكو منذ زمن طويل ونحن نعمل معا في كثير من المجالات ومنها تعميم ثقافة السلام والحوار الثقافي وبين الأديان فضلا عن الترويج للغة العربية والرياضة.
أنت تعلم أن الاهتمام بالشباب يقع في قلب مهام اليونيسكو. وفي هذا السياق، أود أن أشير إلى الشراكة التي تجمعنا بمؤسسة مسك، التي تعمل على تدعيم وتطوير تعليم وتأهيل الشباب وتنمية مواهبهم وقدراتهم الإبداعية في المجالات الفنية والعلمية.


فضلاً عن ذلك، فإن مسألة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون أحد المجالات للتعاون بين اليونيسكو والسعودية. ذلك أن منظمتنا عازمة على الانخراط بقوة في هذا المجال في العامين المقبلين من خلال تنظيم جلسات نقاش وحوار في العالم كله وفيما يتناول أوجه اختصاصاتها ومنها التعليم والثقافة والعلوم وتقنيات المعلومات. وبشكل أعم،، فإن الهدف قد يكون البحث في الخطوط العامة في المسألة الأساسية التي هي الأخلاقيات المتوجبة في ملف الذكاء الاصطناعي وأعني بذلك القيم التي نود أن نجعلها إطارا لتنمية وتطوير هذه التكنولوجيات.

في سياق موازٍ، فإننا نعمل مع السعودية لتوفير تعليم ذي نوعية مرتفعة للنازحين السوريين في لبنان وللترويج لثقافة السلام والحوار في إطار برنامج دولي نأمل باستمرار العمل به.

-تعتبر المحافظة على التراث الثقافي أمرا مهما، وكثير من الآثار تضررت في الدول العربية مثلا في العراق وسوريا، ويعتبر ترميمها أحد الاهتمامات المشتركة لليونيسكو والسعودية، هذا يقودني إلى سؤال، ما أهم الأعمال في هذا المجال تنفذها اليونيسكو مع الحكومة السعودية؟


- آمل أن تكون السعودية إلى جانبنا كما يفعل كثيرون من الشركاء، في إطار المبادرة الكبرى إعادة إعمار الموصل وهي المبادرة التي أطلقتها في شهر فبراير (شباط) الماضي. إنه مشروع طموح تضطلع اليونيسكو فيه بدور المنسق للمبادرات الدولية بالتعاون مع السلطات العراقية.


إن اليونيسكو تعمل، إلى جانب إعادة ترميم المواقع الأثرية والثقافية، على البعد الإنساني لإعادة الإعمار، وأعني بذلك أننا نريد إحياء ما أسميه «روح الموصل» أي التمسك بالمعرفة والتعددية وأن نعمل أيضا مع السلطات العراقية على إطلاق وتطوير مشاريع في المجالين الثقافي والتربوي. وبذلك نكون قد ساهمنا بلبنة من أجل أن يعود اهل الموصل للإمساك بمصيرهم بأنفسهم. أما المراحل اللاحقة للمشروع فهي سعينا لتنظيم مؤتمر قبل الصيف المقبل يجمع مؤرخين ومثقفين في مقر اليونيسكو في باريس. كذلك، أغتنم الفرصة لأدعو الأسرة الدولية للمشاركة في المؤتمر الدولي للمانحين في الخريف المقبل الذي سيعقد في مقر اليونيسكو في باريس. ولا يخامرني أي شك بأن السعودية ستواكبنا في هذه المسألة.


-الجميع يعرف كم هي السعودية متمسكة بتعزيز موقع ومكانة اللغة والثقافة العربيتين داخل اليونيسكو. وكلنا يتذكر أنها وفرت دعما ملحوظا لهذه الغاية. هل لديك مشاريع بهذا المعنى تكون ذات علاقة بهذه اللغة؟


- منذ عام 2012، تحتفل اليونيسكو سنويا باليوم العالمي للغة العربية وهو ما يحصل في 18 ديسمبر (كانون الأول) من كل عام. وكان من المهم بالنسبة لنا أن هذه اللغة التي هي كنز للتنوع الثقافي الإنساني أن يخصص لها موعد سنوي يكون أحد المواعيد الرئيسية للتشارك بها وبالثقافة التي تحملها. ولذا، فإن اليونيسكو، بطبيعة الحال، مهيأة إن كان في مقرها العام في باريس أو في مكاتبها الإقليمية عبر العالم من أجل هذا الغرض. وطموحنا من خلال ما نقوم به هو أن ندفع قدما بالبحوث اللغوية وتطوير القواميس العربية وأن ننقل إليها ما جاءت به التكنولوجيات الجديدة ونشرها، إضافة إلى تعليم اللغة العربية والقيام بترجمة كنوزها والتيارات الفكرية التي تحملها. وأود أن أشير إلى أن اليونيسكو وقعت على اتفاق مع دار الملك عبد العزيز، في عام 2016 وعلى هامش الاحتفال باللغة العربية، اتفاق شراكة استراتيجية لتعزيز استخدام اللغة العربية داخل اليونيسكو وإنتاج المعارف والعلوم باللغة العربية بحثا عن الترويج للتعددية اللغوية والحوار بين الثقافات.
أخيرا، أود أن أشير إلى أن اليونيسكو، إلى جانب ما تقوم به من أجل اللغة العربية وأبعد من ذلك، تكرم سنويا الثقافة العربية وذلك منذ عام 1998 من خلال الجائزة المشتركة اليونيسكو إمارة الشارقة. وهذه الجائزة تكافئ الشخصيات والمنظمات التي تقدم أفضل عمل أو إنجاز يهدف للترويج للفنون وللثقافة العربية. وعلى سبيل المثال، فإن الفائزين في الدورة الأخيرة كانت اللبنانية المصرية بهية شهاب والتونسي الفرنسي الصيد وكلاهما خطاطان.


-سؤال أخير، هنالك حديث عن معاناة تعيشها المنظمة وخصوصا المالية، ما مدى صحة ذلك وما هي صورة الوضع اليوم؟


- لا أبوح بسر إذا قلت لك إنه عند وصولي إلى اليونيسكو في شهر نوفمبر الماضي، وجدت أن هذه المنظمة تعاني كثيرا وبحاجة إلى خطة طوارئ «مالية» جديدة. ولكننا توصلنا، بفضل تعبئة الدول الأعضاء إلى تحسين الوضع وتأمين الأساسيات. وكلي أمل أن ما حققناه يمكن أن يكون مؤشرا لعودة الثقة بالمنظمة وللتشارك في تحمل المسؤولية. لكن علي أن أقول إن اليونيسكو فقدت أكثر من ربع مواردها المالية في السنوات الأخيرة، ودعني أقول شيئا، حقيقة السعودية وقفت إلى جانب المنظمة وبشكل فعال حتى حلت الأزمة المالية، وكلي ثقة أننا نستطيع الاستمرار في العمل معا حول أهداف نتقاسمها.