إيلي ليك

إذا كان الماضي يمثل مقدمة لما هو آت، فعلينا توقع ضربة أميركية قريبة ضد مطارات سورية. فقبل ما يزيد على عام هاجمت القوات السورية المتمردين بغازات كيماوية. ودفعت الجريمة المروعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإدانتها على تويتر. وفي 7 أبريل الجاري 2017، أمر بإطلاق 59 صاروخاً "توماهاوك" على مطار الشعيرات الذي انطلق منه الهجوم الكيماوي.

ويبدو أن التاريخ كرر نفسه في الأيام القليلة الماضية. فقد أطلق النظام السوري غازاً كيماوياً على مواطنيه من جديد، مستهدفاً هذه المرة الغوطة الشرقية على أطراف دمشق. ومرة أخرى، كتب ترامب تغريدة غاضبة وصف فيها الرئيس السوري بـ«الأسد الحيوان» وحمّل روسيا وإيران مسؤولية الهجوم بسبب دعمهما للنظام السوري الحاكم.

وهذا يقوض فيما يبدو دعوات ترامب للانسحاب من سوريا. وإذا أوفى ترامب بتحذيره للأسد وروسيا وإيران بشأن الأسلحة الكيماوية، فإنه سيوسع مهمة بلاده فيما يتجاوز قتال «داعش». فالأسد وروسيا وإيران يقاتلون أيضاً «داعش» ويزعمون أن المعارضة للأسد تنحسر في الجماعات المتشددة. ولذا نتوقع نصف إجراء، بدلاً من ردع حقيقي لهجوم كيماوي مستقبلًا. فقد يجري تدمير قاعدة، لكن سياسة ترامب ستبقي كما هي ما لم يغير نهجه.

فقد سمح هذا الرئيس للقوات الأميركية الخاصة والقاذفات الأميركية وحلفاء الولايات المتحدة، خاصة الأكراد، بتدمير مواقع «داعش» في سوريا، وهذا أفضل وأكثر جرأة مما فعله أوباما عام 2014. لكن ترامب، مثل أوباما، يحرص على ألا يعرقل الخطط الشريرة لائتلاف الأسد وإيران وروسيا التي تحاول المحافظة على تماسك البلاد التي انهارت منذ عام 2011.

والكلفة البشرية للحرب السورية ما زالت مذهلة. والأمر لا يقتصر على الهجمات الكيماوية؛ فقد تعرضت الغوطة الشرقية، مثلها مثل حلب من قبل، للحصار القاتل، أي منع وصول الغذاء والدواء للسكان المدنيين. وأظهرت صور نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية العام الماضي أطفالاً يموتون جوعاً. كما أخرجت الحرب أكثر من نصف سكان البلاد من ديارهم. ومؤخراً، اقترح الدكتاتور السوري قانوناً يسمح للدولة بالاستيلاء على المنازل المهجورة. ويرى معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لقوة مهام الطوارئ السورية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها وتدعو للإطاحة بنظام الأسد، أن هذه السياسة ستسمح للنظام بمكافأة رعاته الإيرانيين بالمنازل التي أجبرت مليشياته الأسر على الفرار منها.

وكل هذا يجب أن يدفع الأمم المتحضرة على الاتحاد سوياً ووقف التناحر في سوريا. لكن مسؤولية خاصة تقع على تقع على عاتق أميركا الآن. فرغم المكاسب التي حققها الأسد والروس والإيرانيون خلال العامين الماضيين، فإن الحرب أبعد ما تكون عن الحسم. وعلى سبيل المثال، فإن الأراضي شرقي نهر الفرات التي حررتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأكراد من «داعش» لم تخضع بعد لسيطرة قوات الأسد. وأمام الولايات المتحدة فرصة كي تجعل تلك المناطق المحررة حديثاً ملاذاً آمناً نوعاً ما على الأقل. وهناك سابقة لهذا حين قرر الرئيس بوش الأب عدم المساهمة في تحرير العراق بعد انسحاب قوات صدام حسين من الكويت عام 1991. لكن صدام اعتبر ذلك التوجه بمثابة ضوء أخضر يتيح له معاقبة الأكراد في شمال العراق. بيد أن بوش غير نهجه حين رأى خروج الأسر الكردية إلى الجبال، ففرض منطقة حظر جوي في شمال العراق، وبدأت الولايات المتحدة تحمي الأقلية الكردية في العراق.

وأمام ترامب فرصة ليغير نهجه أيضاً. وليس عليه أن يلتزم بإعادة بناء كل سوريا، ولكن على أقل تقدير يستطيع الوفاء بدين أميركا تجاه هؤلاء الأكراد السوريين الذين ساعدوا في هزيمة «داعش» وقتاله. وهذا يتطلب سياسة تحمي شرق سوريا على الأقل من آلة حرب الأسد. والبديل عن هذا ليس إلا كارثة إنسانية. إن الخروج المبكر من سوريا سيترك الأشخاص الذين تحرروا من «داعش» عرضة للقتل والتشريد، وسيساعد إيران على إتمام جسرها البري إلى البحر المتوسط. ويقدم الدم والمال الأميركيين لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لأعداء أميركا. وهذه التركة تلحق الخزي بأي رئيس.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»