مصطفى زين

 دوافع الحروب الأميركية، وكل الحروب الاستعمارية، اقتصادية في الدرجة الأولى. لكن الأيديولوجيا تلعب دوراً كبيراً في تبرير القتل والتدمير. وقد تكون هذه الأيديولوجيا دينية مثلما كانت الحروب الصليبية أو مثل الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الصهيونية المسيحية في أميركا وأوروبا.

أو مثل فكر «دعش» و»القاعدة» و»الإخوان المسلمين»، ولا نستثني المنظمات الإرهابية اليهودية التي تعود إلى التوراة (العلمانيون الإسرائيليون يعودون إليها ايضاً) لإثبات أن اليهود شعب عاد إلى أرضه التي وعدهم الله بها. كأن الله «سمسار عقارات» على ما يقول الكاتب الأميركي غور فيدال. دوافع الحروب الأميركية في الشرق الأوسط لا تخرج عن هذا السياق، سواء خلال غزو العراق أو ليبيا أو الصراع مع الروس في سورية. ولكل رئيس أميركي أيديولوجيته وتفكيره السياسي أو الديني أو الإثنين معاً لتبرير هذه الحروب. وكل منهم يخضع خلال ولايته للدولة العميقة (الإستخبارات ومجلس الأمن القومي والمؤسسة العسكرية ولوبي السلاح إلخ) لإعادة تأهيله كي ينسجم مع التيار العام الذي تشكل عبر التاريخ الدموي للبلاد. وإذا بدر منه أي رفض أو تردد يبدأون البحث في تاريخه وفي أخطائه ومخالفاته القوانين والدستور، ولا الميديا الميديا «الحرة» لحظة.

منذ وصوله إلى البيت الأبيض، يخضع دونالد ترامب لإعادة تأهيل كي ينسجم مع الدولة العميقة. خاض ويخوض معارك شرسة ضد بعض المؤسسات التي تهدد بإحالته على القضاء. ولمواجهة هذا الضغط يستعين رئيس أعظم دولة في العالم بلوبي السلاح (سمح لمعلمي المدارس بحمله للدفاع عن التلاميذ) وبالإنجيليين والعنصريين البيض الذين أوصلوه إلى الحكم. وهاهو الآن يخضع لإعادة تأهيل دينية ويحيط نفسه بايديولوجيين متدينين.

أفاد تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» بأن «الكتاب المقدس (بعهديه القديم أي التوراة والجديد) يدرس في البيت الأبيض للمرة الأولى منذ مئة عام على الأقل». وتساءل كاتب التحقيق عما يدرسه الوزراء وما موقف ترامب من ذلك، ولماذا لا يسمح للنساء بإعطاء الدروس. وأوضح أن أهم المسؤولين في العالم يجتمعون في قاعة للمحاضرات في واشنطن دي سي كل أربعاء لتلقي تعاليم الكتاب المقدس. ولا يمكن كشف مكان الإجتماع. لكن يمكن كشف اسماء الذين يحضرون الدروس، مثل نائب الرئيس (كان الأكثر حماسة لاعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل) ووزير الدولة مايكل بومبيو، ووزيرة التعليم بيتسي ديفوس، ووزير الطاقة ريك بيري، والنائب العام جيف سيسيونز، والقائمة تطول ويستغرق الإجتماع (الدرس) بين 60 وتسعين دقيقة. أما المشرف على الدرس أو «الكاهن» فلاعبكرة سلة سابق يدعى رالف درولينجر ، وهو في الثالثة والستين ويصف نفسه بأنه «مجرد JOCK (جوكي أو فارس). لم يذهب إلى الكنيسة عندما كان طفلاً ولم يتعمق بالكتاب المقدس. لكن حياته تغيرت عندما بدأ يحضر دروساً توراتية. وتقدم في دراسته إلى أن أصبح كاهناً».

ويتابع التقرير أن دراسة الكتاب المقدس بدأت عام 2010 في الكابيتول هول والتلاميذ أعضاء في الكونغرس. وهناك الآن اكثر من خمسين «تلميذاً». وبعد تولي ترامب الرئاسة بدأ اختيار وزرائه من هذه الجماعة. وكلف بنس هذه المهمة فهو « يعرف المؤمنين حقاً».

ويؤكد الكاهن أنه لا يقول لأحد ما عليه فعله في مجال السياسة «فهو يقرأ تعاليم الكتاب المقدس التي تشرح له كل شيئ. وعندما يتبعها لا يخطئ». أما ترامب فلا يحضر الدروس لكنه يطلع عليها أسبوعياً، ويعلق عليها مع بعض الملاحظات، ويكتب عبارة «امض في هذا الاتجاه دورلينغر. لقد أحببت هذه الدراسة. واصل عملك».

تتخبط الدولة العميقة والصحافة في إعادة تأهيل ترامب، وتخوض معه معارك منذ وصوله إلى البيت الأبيض. لكن دورلينجر ودروسه التوراتية استطاعت الوصول إلى أعماقه أو إلى أصوله الإنجيلية لتحييها فبدأ يتخذ قراراته على ضوء هذه الدروس، وعندما يتعثر يجد أمامه المنظّر الأيديولوجي الديني مايكل بنس. وانضم إلى فريقه الآن المنظر الآخر، رئيس مجلس الأمن القومي جون بولتون. وهو ليس في حاجة إلى دروس دينية فأيديولوجيا المحافظين الجدد، وهو أحد أهم ممثليها، تكفيه كي ينسجم مع التوجهات الحربية. وتجربة هذه الجماعة خلال رئاسة بوش الإبن خير دليل، ونتائجها ما زالت ماثلة أمامنا حتى اليوم بويلاتها وبالدمار الذي أحدثته في كل الشرق الأوسط.