علي سعد الموسى 

عدت بحر الأسبوع الماضي مرتاداً لملتقى مؤسسة الفكر العربي السنوي بعد بضع سنوات لم أتمكن فيها من الحضور. ولو بقي في هذا العالم العربي كتلة من الوعي وشيء من عقل الأنتلجنسيا لاكتفوا ولو بمجرد قراءة رحلة العناوين لهذه المؤتمرات التي وصلت إلى ملتقى فكر السادس عشر. كان منظراً صادماً وحزيناً جداً أن يكون العنوان «تداعيات الفوضى وعوامل إعادة بناء الاستقرار» ومن الأمانة أن أقول إن مؤسسة الفكر العربي ستخطئ إن لم يكن هذا العنوان هو الأنسب في هذه الظروف. كيف خسر العرب في ظرف زيف هذه السبع العجاف ولو على الأقل ذلك البناء الهش الذي استطاعوا عليه في سبعين سنة؟
ومن المؤتمر الأول، وقبل خمس عشرة سنة، كان عشرات المثقفين والمفكرين العرب، ومن كل أنحاء الكون ينثرون بذور الأمل ويشرحون رؤى المستقبل أمام الجيل والعصر العربي القادم في مؤتمرات الفكر العربي، وكانت العناوين الكبرى في كل لقاءات «فكر» تتحدث عن التعليم والاقتصاد وأنساق البناء المختلفة في التكوين المجتمعي العربي. كانت العناوين لوحدها أنواراً موجبة في نهاية نفق طويل. ما قبل الأمس، عدت من دبي محملاً بيأس داكن من أن هذا النفق قد انهار فوق رؤوس ساكني هذه الخريطة. أتذكر أنني ذات زمن عدت من أحد لقاءات هذه المؤسسة، وفي الطائرة أكملت قراءة إصدارها المدهش والسنوي بعنوان «أوضاع العالم»، ويومها كتبت بضرورة أن يكون هذا السفر قهوة صباح على مكتب كل وزير عربي. لا أعتقد أن تقريراً واحداً في الحالة التشخيصية قد فاق هذه السلسلة حين اشترك أبرز عباقرة العرب وغير العرب في رسم صورة بيانية للحالة العربية. اليوم وأنا أقرأ التقرير الأخير على متن الطائرة الأخيرة شعرت بالحزن لأننا بالفعل أمة لا تقرأ. لقد قطع كل العالم من حولنا في العقدين الأخيرين أضعاف ما استطاع أن ينجزه في آخر قرنين. نحن على النقيض عدنا إلى الوراء لأكثر من قرن، هذا إن كان القرن بأكمله محسوبا في الساعة. شكراً مؤسسة الفكر العربي.