حمد المانع

لقد فعلت القيادة السياسية لبلادنا خيراً حين اتخذت هذه الخطوة الحكيمة والكبيرة التي تليق ببلادنا، ومدوا جسور التواصل مع العراق، بجميع أطيافه، سنته وشيعته، بما يحقق مصالح بلدينا، ويوثق الأواصر بين شعبينا، ويعيد الود والانسجام بيننا إلى سابق عهوده الجميلة..

أخطأنا كثيراً يوم فقدنا الأمل في الرهان على رابطة العروبة، وقدرتها على استرداد إخوة لنا في العروبة والدين، من شيعة العراق، وظننا أنهم تنصلوا من عروبتهم، واستقطبوا من قبل إيران التي لا تفتأ تغازل مشاعر أبناء المذهب الشيعي حول العالم، حتى يتبعوها، ويوالوها على حساب ولائهم لبلادهم، ولعروبتهم، ولا أنكر أنني كنت أحد هؤلاء الذين فقدوا الأمل في استرداد أشقائنا شيعة العراق، ووقر في نفسي أنهم أصبحوا إيرانيي الهوى، إلى أن أتيحت لي الفرصة لالتقاء قطاعات كبيرة منهم ولا سيما النخب وقادة الرأي، فكانت مفاجأتي كبيرة حين وجدت منهم انتماء كبيراً وحنيناً إلى أمتهم العربية، ووفاءً لها، في مشهد يبعث على الأمل والتفاؤل، رد الأمور في ذهني إلى نصابهم بعدما كانت الصورة مضطربة تماماً.

فما من شك في أن تبعية أي عراقي شيعي لإيران هي بمثابة خنجر في خاصرة وطنه، إذ ليس من مصلحة السيادة أو اللحمة الوطنية لبلد ما أن يستقر في وجدان أبنائه الانتماء لوطن آخر، فالمذهب ليس وطناً، المذهب أمر ديني، والدين علاقة بين العبد وربه، فلا يُتصور مثلاً أن ينتمي كاثوليكي في بلد أوروبي إلى بلد آخر لأن معظم أهله أو حتى كلهم من أتباع المذهب الكاثوليكي، فقط وددت أن أضرب المثل من خارج أوطاننا مراعاة لحساسية بعضهم.

لهذا كنت أرى المعادلة مختلة على نحو لا يخضع لأي منطق، فكيف يكون ولاء عراقي لبلد آخر، يعلم تمام العلم أن له أطماعاً في بلده، ما شأن المذهب بهذه الأمور، فضلاً عن أن أهلنا في العراق أهل علم وثقافة وحصافة وحضارة، وليسوا في حاجة إلى تذكيرهم بهذا النوع من البدهيات التي تربى عليها أبناء عراقنا العظيم، لكن منطق الأمور استقام في رأسي بعد لقاءاتي المبهجة الباعثة على الأمل مع الأشقاء أبناء المذهب الشيعي في العراق، لما وجدت منهم من مودة لأشقائهم، ومن وفاء لعروبتهم، واعتداد بعراقهم، وحرصهم على سيادته الوطنية، واستقلال قراره الوطني، وعدم رضوخه لأي إملاءات إقليمية. نعم هناك من خانوا عروبتهم، وعراقهم، وباعوا أنفسهم للشيطان، لكن هؤلاء شرذمة قليلون لا يعول عليهم أمام هذه الكثرة الكاثرة لأبناء العراق الكبار الذين يستحقون أن يحملوا هويته.

لقد فعلت القيادة السياسية لبلادنا خيراً حين اتخذت هذه الخطوة الحكيمة والكبيرة التي تليق ببلادنا، ومدوا جسور التواصل مع العراق، بجميع أطيافه، سنته وشيعته، بما يحقق مصالح بلدينا، ويوثق الأواصر بين شعبينا، ويعيد الود والانسجام بيننا إلى سابق عهوده الجميلة، عهوده التي كانت القبائل والأسر موزعة بين بلادنا، في هجرات وأسفار تاريخية طويلة بين البلدين، تركت لنا إرثاً من الحب والقربى والمصاهرة.

ولكم طابت نفسي وابتهجت ومثلي كثيرون بالزيارات المتبادلة بين المملكة والعراق على مستوى القيادات الشعبية من جميع الأطياف، الأمر الذي يعكس رغبة متبادلة بين قيادتي البلدين وشعبيهما في كسر الحواجز التي خلفتها السنوات الفائتة، وتقريب المسافات، وبداية عهد جديد من العلاقات، يعلي فيه الطرفان مصلحة البلدين والشعبين، ويضخان الدماء حارة نابضة بالحياة في عروق الأخوة العريقة، ويتغاضى فيه الجميع عن أسباب الفرقة، ويستدعيان من الواقع ومن الذاكرة جميع أسباب القربى والتواد بين الأشقاء في البلدين.

وإن مما يثير الشجن بعد هذه السنوات الصعبة التي مر بها العراق، ومرت بها العلاقة بين البلدين، أن تجد قلب أخيك العراقي، الشيعي والسني على السواء يحمل لك من المودة ما لم تنل منه سنوات جفاء، ولم تضعفه المؤامرات تلو المؤامرات، ولم تزعزعه الحرب بقسوتها، ولم يجفف منابعه طول البعد.. حفظ الله عراقنا العربي العظيم.. وحفظ أشقاءنا رجال العراق بجميع أطيافهم.. عود أحمد يا أشقاء.