مصطفى زين

 بكل الأبهة الإمبراطورية افتتحت الملكة إليزابيث قمة الكومونولث في لندن. اصطف الجنود بلباسهم التقليدي خلف المدافع القديمة التي استخدمت لاستعمار أفريقيا وآسيا وأميركا. أطلقوا 23 طلقة تحية للقادة القادمين من مختلف المستعمرات السابقة. تحية تذكرهم بمآسيهم المستمرة عبر عشرات السنين. لم تكتف رئيسة القمة بطمأنة الزعماء الملونين إلى مستقبل أبنائهم وازدهار بلدانهم. بل عينت ابنها الأمير تشارلز خلفاً لها في رئاسة الكومنولث فهي لم تعد تستطيع السفر مسافات طويلة للاطلاع على أحوال الرعايا المخلصين وربطهم بالمركز، وإطلاق يد حكومتها في العمل لتغيير هذا الرئيس أو ذاك. هي الأم المطاعة. اخترع والدها الملك جورج هذه الكتلة لتتوارث العائلة رئاستها، ولتبقى بريطانيا عظمى، ماضيها يستمر عبر الأجيال الملكية. أما ماضي المستعمرات وتدمير مجتمعاتها فمسألة لا تستحق التوقف عندها ولو للصلاة على أرواح مئات الآلاف من قتلاها. ولا تستحق الاعتذار عن ممارسة أبشع أنواع العنصرية البيضاء المنتشرة في كل القارة الأوروبية ويمثلها دونالد ترامب في الولايات المتحدة.

وفي حين كانت الملكة تفتتح القمة الملونة (حضرها 53 رئيساً)، تفجرت فضيحة عنصرية داخل وزارة الداخلية تذكر بالماضي الاستعماري للإمبراطورية التي لم تقتنع بعد بأنها أصبحت مجرد جزر صغيرة معزولة لا ينفعها الكومنولث في استعادة أمجادها ولا معاداتها لأوروبا والتحاقها بأميركا.

بعد الحرب العالمية الثانية (عندما أسس الملك جورج الكومنولث) «استوردت» بريطانيا آلاف الملونين السود لإعمارها والمساعدة في ازدهارها. بعض هؤلاء خدموا في جيش صاحب الجلالة وقتل آباؤهم وهم يدافعون عن العرش. وبعد أكثر من سبعين عاماً اكتشف من بقي حياً من هؤلاء «المستوردين»، ومن أبنائهم أن إقاماتهم في المملكة المتحدة غير قانونية، فوزارة الداخلية أتلفت أوراقهم الثبوتية وعرضتهم للترحيل. إلى أين؟ لا أحد منهم يعرف البلد الذي أتى منه أجداده. لم يزره طوال حياته. وهو في الوطن الجديد محروم من المواطنة، بما تعنيه الإفادة من حقوقه في المعالجة الطبية والحصول على مساعدات اجتماعية أسوة ببقية المواطنين.

ولتكتمل الفضيحة تأكد أن رئيسة الوزراء الحالية تيريزا ماي كانت وزيرة للداخلية عندما أتلفت مستندات «المستوردين». ابنة الكاهن المتمسكة بالقيم الدينية اعتذرت عن «الخطأ». قالت إنها كانت في إجازة عندما أقدم موظفو الوزارة على التخلص من المستندات. اعتذرت ثم وقفت في قمة الملونين لتتحدث عن المستقبل وعن الرابطة القوية التي تجمع شعوب الإمبراطورية. مستقبل يتجلى يومياً في جوٍ من الكراهية تغذيه المؤسسات بتعاملها مع هؤلاء الملونين، ومع الأوروبيين البيض الذين أصبحوا هدفاً لكل أنواع العنصرية والتهميش بعد قرار لندن الخروج من الاتحاد الأوروبي. مستقبل يتجلى بصعود النازيين الجدد والمحافظين الجدد مستغلين التوجه الرسمي للانعزال في نشر الكراهية والعنف ضد كل من هو «غريب».

مواطنو الإمبراطوية السود ليسوا مواطنين، و «الأخ الأكبر» يهرم ولا يعترف بعجزه.