أحمد الجميعـة

احتواء ردود الفعل المجتمعية بلا إقصاء أو استفزاز أو محاولة تأزيم؛ هو أصعب ما يواجه مشروع التحول في المملكة، وعبّر عن ذلك صراحة ولي العهد أن من «أصعب التحديات التي تواجهنا أن يقتنع الشعب بما نقوم به»، وهو أمر طبيعي يحدث في أي مجتمع ينشد التغيير، ولكن الأهم أن يبقى الجميع أمام حالة اختيار وليس إكراه، وهو ما يحصل بكثير من الحكمة والتعقل والهدوء الذي لا يصادم القناعات أو يستفزها، أو يسمح لأي حراك فكري أن ينال منها، أو يوظفها لأجندات لم تعد مقبولة، أو مستساغة.

حادثان رغم الفارق الكبير بينهما، إلاّ أن الصراع الفكري قديماً وجديداً حولهما قد استأثرا جانباً واسعاً من الحديث عنهما في المجتمع خلال اليومين الماضيين، وتناقلتهما وسائل إعلام ومواقع إخبارية ونشطاء في شبكات التواصل الاجتماعي؛ الأول افتتاح دور السينما في المملكة، والثاني قرار وزير التعليم بالتحقيق في حادثة مقطع فيديو يظهر طالبات مدرسة متوسطة يحملن لافتات «حجابي تاج راسي»، و»شعيرة لن تندثر».

السينما كمشروع حضاري وتنويري وترفيهي واقتصادي أيضاً أصبحت واقعاً، وعاش المجتمع فرحته بوجود متنفس أسري جديد كان الغالبية منه يقطع مسافات طويلة، ويصرف أموالاً طائلة في الوصول إليه، واليوم هو موجود داخل الوطن رغم التحديات الكبيرة التي سبقت اتخاذ القرار، ومع ذلك مضى المشروع من دون أن نكره أحداً عليه، وتركنا للناس حرية الاختيار، وقناعة الحكم عليه، ولكن هناك فئة من الحركيين داخل المجتمع لا تزال تناور في هذا السياق، وتتخذ من شبكات التواصل الاجتماعي منصة ليس للرأي الذي نحترمه، وإنما للتأزيم الذي نرفضه، والإسقاط الفكري الذي يمرره.

حادثة المدرسة التي اتخذت من الحجاب وسيلة لتعزيز الصراعات الفكرية كانت هي الأخرى متزامنة مع السينما في التوقيت، والفكر الذي يغذيهما، فكان قرار وزير التعليم هو التحقيق في الحادث، وهو إجراء إداري بحت ليس له علاقة بالموقف الفقهي من الحجاب أصلاً، ووسيلة ضبط للعملية التعليمية والبيئة المدرسية من أي استغلال أو اختراق، ومع ذلك تم إقحام الوزير في هاشتاق طويل عريض للنيل منه، بل أكثر من ذلك تأزيم العلاقة داخل المجتمع، وهو أمر لا يجب السكوت عليه، أو التهاون فيه.

نحن في دولة لا تكره أحداً على خياره؛ فمن يرغب أن يرتدي الحجاب بالطريقة التي يفهمها ويؤمن بها بشرط الستر فليس لأحد أن يؤثر في قناعاته، ومن يرغب أن يذهب إلى السينما مع أسرته فله ذلك بخياره؛ المهم لا نؤزم المواقف، أو نسيء فهم بعضنا، أو نصادر حق الآخرين في خياراتهم، أو نسمح للإعلام المضاد أن ينال من وحدتنا، ونبقى رغم الاختلاف في وجهات النظر أخوة متحابين متعاونين لصالح مجتمعنا.