محمد فايع

من الطبيعي ونحن نمر بمتغيرات جذرية على صعيد الوطن، أن تمر بنا بعض الظواهر السلوكية الخاطئة التي يظن معها أصحابها أنهم يقومون بالفعل الصحيح تماشيا مع ما يحدث من متغيرات سريعة، ظنا منهم أن القيم تتغير بتغير الأحوال والظروف، ربما أن بعضهم قد لا يعرف أن من سمات بلادنا السعودية، أنها منذ أن قامت على وحدة توحدّها على يد البطل المؤسس الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، من أقصاها إلى أقصاها، أنها قامت على قاعدة صلبة من المنهج الواضح في تحكيم الكتاب والسنة، والعمل بهما كمنهاج حياة، تحكم بهما البلاد والعباد، وما ذلك إلا من منطلق إيمان راسخ لدى قادتنا السابقين واللاحقين، بأن الدول حين تبتنى، فهي تبنى على القيم الدينية والأخلاقية، وبها تدوم عملية الاستقرار السياسي والاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي، ويسود الاطمئنان كافة ربوعها وشعبها من وئام وسلام، وتنشأ من هنا التنمية المستدامة، لأن القاعدة صلبة ومتينة لا تخشى الاهتزازات مهما جرت من أحداث.


وكم مرت بمنطقتنا من أحداث وأهوال حروب وفتن، وقبلها جوع وفقر وأمراض ومؤامرات ودسائس، ولله الحمد، لم تتأثر بها بلادنا بفضل الله، ثم بفضل التماسك والتلاحم بين القيادة والشعب الوفي لقيادته، وهذا هو معنى قيام الدولة على أرض راسخة من القيم الدينية والأخلاقية، وأنه في غياب تلك القيم -لا قدر الله- ستظهر الفوضى الأخلاقية، وتدب المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، ونحن بفضل من الله ثم بفضل قادتنا في بلادنا، وفقهم الله وأعانهم، وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عادة ما يؤكدون على حماية الدين والوطن، مما نشعر معه بأن البلد في أيد أمينة، وأنه لا خوف على بلادنا ولا على أبنائها، من أن تجرفهم الأهواء، سواء نحو التطرف الديني المتشدد الذي يغلق كل باب فيه نهضة وتقدم البلد وتنميته، ولن يكون هناك مكان للانحلال الخلقي، الذي يجعل الإنسان يعيش في حالة من التخبط حين يعم الفراغ الروحي جنبات حياته، ولهذا فليطمئن كل مواطن يعيش على أرض السعودية من شرقها حتى غربها، ومن شمالها حتى جنوبها، بأن الدولة يقظة بقادتها ورجالها الأوفياء، وماضية بعزيمة صادقة في الطريق الصحيح نحو أهدافها، ولن تحيد قيد أنملة عن ثوابتها رغم أنف الحاسدين والحاقدين. وما قد نراه في التعاطي مع المتغيرات التي يشهدها بلدنا والفهم الخاطئ لمعنى التغير لدى فئة قليلة من الناس قد «يخفى» عليهم أن الدولة قد أخذت عهدا على نفسها أن تحمي منظومة الأخلاقيات، مثلما هي عازمة على حماية الدين والقيم الدينية والاجتماعية، فهي أولا وآخرا بلد إسلامي، تعتز كونها مهبط الوحي، ومشرق الرسالة المحمدية إلى كل الدنيا، وقبلة كل مسلم أينما شرّق وغرّب، ولن تسمح بتجاوز الخطوط الحمراء التي قد يسيء إليها، أو يفسد عليها مشروعاتها التنموية، وللتذكير بما قلته آنفا، وأن ولاة أمرنا منهجهم واضح في حماية الدين والوطن، فهم من أخذوا عهدا على أنفسهم بحماية الدين والوطن، فأنا هنا أعيد التذكير بكلمة خادم الحرمين الشريفين في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة السابعة في مجلس الشورى، حين قال بكل وضوح وصراحة كلمات في غاية الصدق والبيان، يجب أن يعيها من يعي، وأن تدرّس لأبنائنا عندما قال حفظه الله، «أيها الإخوة والأخوات: تسعى بلادكم إلى تطوير حاضرها وبناء مستقبلها والمضي قدماً على طريق التنمية والتحديث والتطوير المستمر بما لا يتعارض مع ثوابتها، متمسكين بالوسطية سبيلاً والاعتدال نهجاً كما أمرنا الله بذلك، معتزين بقيمنا وثوابتنا. ورسالتنا للجميع أنه لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً، ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحل يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال واستغلال يسر الدين لتحقيق أهدافه، وسنحاسب كل من يتجاوز ذلك، فنحن إن شاء الله حماة الدين، وقد شرفنا الله بخدمة الإسلام والمسلمين، ونسأله سبحانه السداد والتوفيق». هذا الخطاب الواضح من خادم الحرمين الشريفين، أعانه الله، واضح كل الوضوح، وبلغة حازمة لا تحتاج إلى شرح وتوضيح، من يقرأه ولديه أفكار بطريقة خاطئة في فهم الأحداث الجارية فهما خطأ، فعليه أن يعيد النظر في وعيه وفهمه، فالدولة لن تسمح لمتطرف ديني، ولا لمنحل أخلاقي أن يأخذ البلد يسارا أو يمينا، نقطة ومن أول السطر.

في الختام ما أحوجنا إلى التأكيد على ترسيخ مفاهيم القيم الدينية ذات الاعتدال والوسطية، وتكريس مبادئ القيم الأخلاقية في مدارسنا ومجالسنا وفي أنديتنا، فهذا الأمر أعده مسؤولية أخلاقية منوطة بالجميع، آباء وأسراً وتربويين ومؤسسات التربية والتعليم، وصدقوني حينما نلتفت لهذا الأمر وعجلة التنمية تمضي وبسرعة، والمتغيرات تحدث وبعجالة، فلن يكون لدينا أي توجس أو خيفة من إفرازات سلوكية مضطربة خارجة عن الإطار السليم والفطرة السوية، لن نخشى أي شيء، لأن البناء القيمي الديني الأخلاقي، وهو من أساسه راسخ ومتين وقوي، سيكون بمثابة الدرع الحصين الذي يردع أصحاب الأهواء من الزيغ أو الفساد يمنة أو يسرة، وسيحمي بلادنا من كل عدو متربص في الداخل أو الخارج.