خلف علي الخلف

في كل لحظات الخطر الجدي على النظام ينضم للموالين عدد كبير من المعارضين السوريين الذين أطلق عليهم «المعارضة الموالية للنظام» وهم طيف واسع، من المعارضة الرخوة، واليسارية الممانعة، إضافة للمعارضة التي صنعتها موسكو

بعد تهديد الأخ الرئيس ترمب لروسيا بصواريخه الجميلة والذكية والجديدة، احتشد مؤيدو النظام، كما يفعلون في كل مرة يتعرض فيها نظامهم لتهديد جدي، ليعلنوا التعبئة الوطنية، والوقوف مع الوطن ومؤسساته وجيشه الوطني الباسل الصامد المدافع عن السيادة الوطنية!
هذا أمر طبيعي، أي أن يحتشد المؤيدون لنظام قتل ما يقارب مليون سوري مع المختفين قسرياً وشرد نصف السكان، ودمر أهم الحواضر المدنية في سورية ببراميله المتفجرة وصواريخه بعيدة المدى ومدافع ودبابات جيشه الباسل، في لحظات الخطر التي تهدد بزوال نظامهم. حدث ذلك مرات عديدة، وتكرر عند كل الانتصارات الحاسمة التي أحرزتها الفصائل العسكرية المسلحة وشكلت تهديدا جدياً للنظام. لكنه يعاد بنسخة متطابقة كل مرة يصدر فيها تهديد يبدو جدياً من المجتمع الدولي، أو من القوة العظمى في العالم الولايات المتحدة الأميركية. 
وفي كل لحظات الخطر الجدي على النظام ينضم للموالين عدد كبير من المعارضين السوريين الذين أطلق عليهم «المعارضة الموالية للنظام» وهم طيف واسع، من المعارضة الرخوة، واليسارية الممانعة، إضافة للمعارضة التي صنعتها موسكو وتشبه «المعارضة الثقافية» التي صنعها حافظ الأسد. لكن ما لاحظته هو اختلاف خطاب المعارضة الموالية في حالة التهديد الداخلي عنه في التهديد الخارجي. 
ففي حالة التهديد الداخلي يزداد تركيزهم على «الإرهابيين» الإسلاميين، الذين سرقوا الثورة ودمروا البلاد! والإسلاميون ببساطة خاصرة رخوة في الثورة السورية تمكن كل عابر سبيل من النيل منهم نظرا لممارساتهم التي لا تختلف عن النظام الذي يعارضونه في المناطق التي سيطروا عليها. ويضيفون لخطاب معاداة الإرهابيين الإسلاميين في حالة التهديد الداخلي مسحة من التسامح والاعتدال وضرورة الحل السياسي لتجنيب البلاد مزيدا من الخراب. وتظل هناك بعض التمايزات بين المؤيدين والمعارضة الموالية للنظام، في حالة التهديد الداخلي، إذ لا تتجنب المعارضة الموالية في هذه الحالة تحميل النظام جزءا من المسؤولية يبدو يسيرا ويتعلق فقط بعدم جديته في مفاوضات الحل السياسي. 
لكن في حالة التهديد الخارجي يصبح التطابق شاملا بين موالي البراميلي، والمعارضة الموالية له، وتصبح مفردات «الوطن» و«السيادة الوطنية» والاعتداء عليها و«تدمير مؤسسات الدولة» و«البنية التحتية» و«الوطن غير الحاكم» و«العدوان الخارجي» والمفردات الأثيرة لخطاب الممانعة اللزج والكريه، حاضرة بقوة. 
وفي حالة تهديد ترمب الأخير لم يلحظ موالو البراميلي بمن فيهم معارضته الموالية أن الرئيس ترمب لم يوجه تهديده لوطنهم ولا لنظامهم؛ بل كان تهديده موجها لروسيا! واقتصر ذكره لرئيس نظامهم على وصفه بـ «حيوان الغاز القاتل» الذي اعتبره ترمب مجرد أداة روسية إيرانية تقتل الشعب السوري!
هذا ما لا يمر عليه خطاب «الوطنيون الشرفاء»، الذين يطلق عليهم هذا الوصف سخرية، من مؤيدين ومعارضة موالية؛ فهم لم يتوقفوا مرة عند العدوان الروسي، وهو يبيد حتى المشافي الميدانية، بل لم يعتبروه عدوانا خارجياً، فهو فقط يدمر ويبيد المناطق الخارجة على سيطرة نظامهم الوطني وبالتالي فهو ليس عدوانا خارجياً. 
كما لا يذكر «الوطنيون الشرفاء» الاحتلال الإيراني الواضح لجزء واسع من «سورية الأسد»، الوطن الذي يدعمون صموده بوجه العدوان بصدورهم، ولا يذكرون ميليشيات المرتزقة الطائفية التي جمعها الحرس الثوري الإيراني من أصقاع الأرض لتقتل السوريين بجانب نظامهم، وتقتلع من لم تبيده من أرضه وبيته، فهؤلاء جزء من وطنهم «المتجانس»، بعد تهجير نصف السكان، وبدء سياسات الإحلال الطائفي للمرتزقة في بيوت المهجرين.


رغم كل هذا؛ يعتقد المرء، وفي كل مرة توجه فيها الولايات المتحدة تهديدا جديّاً لمن وصفه رئيسها بـ«حيوان الغاز القاتل» بسبب استخدامه السلاح الكيماوي المحرم دوليا على وجه التحديد والحصر، ومن تنادي المعارضة الموالية والشبيحة لمقاومة صواريخ توماهوك المجنحة بالعصي والشيلكا إضافة للصدور، أن هذه ستكون المرة الأولى الذي ستنتهك فيها السيادة الوطنية من الأميركيين. حتى الإخوة المناضلين العرب يجدونها فرصة مناسبة لإصدار بيانات التنديد بالغارة الأميركية! حتى أن ميليشيا النجباء التي تشارك في قتل السوريين أصدرت بياناً تندد فيه بالغارة الأميركية واعتبرتها خرقا للقانون الدولي! وهو ما يعبر بأقل الكلمات عن جبهة المنددين بالضربة الأميركية.
هذا السيل من الغثيان الذي جعل مفهوم الوطنية والشرف والصمود مجرد خرقة بالية لتنظيف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام ضد أبناء شعبهم و«شركائهم في الوطن»، يمكن تذكيرهم جميعاً بأن التحالف الدولي الذي تقوده أميركا نفذ 11 ألف غارة في سورية منذ تشكيله 2014، وأن السيادة انتهكت 11 ألف مرة فقط من هذا التحالف، دون أن نعرج على الطيران الإسرائيلي المجهول الذي يقصف مواقع الحرس الثوري وحزب الله في سورية، فيصمت النظام وموالوه عن قصف الطيران المجهول للسيادة متى ما أراد قبل الثورة وبعدها، حتى أن رئيسهم لم يعد يحتفظ بحق الرد كما كان يفعل في السابق، بل صار يقصف السوريين ويقتلهم كلما ضربته، وإيران، وغارات إسرائيل مفصلة على مقاس الحرس الثوري ومجرميه الذين يقودون إبادة الشعب السوري ولا يراهم الوطنيون الشرفاء، الذين ينحصر وطنهم ببقاء مجرم في السلطة لحماية نهبهم وسرقة بيوت السوريين المهجرين، إذ لا يكاد يخلو بيت من بيوت موالي البراميلي من غرض سرق من بيوتنا، سواء جلبه إلى بيوتهم أبناؤهم في جيش الوطن الذي يسرق حتى الصور المعلقة على الجدران، أو اشتروه من السوق الذي أقاموه لمنهوبات بيوتنا الملطخة بدمائنا.