حمود أبو طالب

ذات مرة ليست بعيدة ونحن في مناسبة رسمية عقدت بمركز الملك فهد الثقافي بالرياض همست لأحد الأصدقاء بجانبي وأنا أشير إلى المسرح الفخم والقاعة الأفخم: متى نحضر حفلة موسيقية راقية في هذا المكان الفخم المهيأ لأضخم وأجمل الحفلات، فعلا كان ذلك شعوري وأملي، لكن سؤالي كان يحمل في نبرته ما يشي بأن الانتظار سيطول كثيراً لأن لا شيء يلوح في المنظور القريب بإمكانية كسر الحاجز الذي انتصب أكثر من ٣٥ عاما دون أدنى مبرر يستوعبه العقل والمنطق.

لم أكن حينها أتخيل أن عاصفة إنسانية رائعة سوف تهب قريبا لتنتشل المجتمع من حالة الكآبة المزمنة والسفر بعيداً بحثا عن لحظات بهجة يمنحها لنا ـ ويا للمفارقة ـ فنانونا المسافرون بإبداعهم خارج حدود الوطن، لكن هبت العاصفة الجميلة بسرعة قياسية غير متوقعة وإذا بمسرح مركز الملك فهد الثقافي يحتضن تدشين عودة الفن والحياة والبهجة التي لم تقتصر على فناني الوطن بل من خارجه حتى أصبحنا نشاهد ونسمع فرق الأوبرا العالمية، في الرياض وجدة والدمام وقريبا في غيرها من المناطق.

ولأننا نعيش الدهشة الكبيرة بكل مفاجآتها فقد كانت المرة الأولى التي يكون فيها الفن أحد بنود الاتفاقيات التي تتم في زيارة مسؤول دولة كبير لدولة أخرى. إنه علاج الصدمة الذي يقدمه بإبداع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فقد كانت من نتائج زيارته لفرنسا الاتفاق على إنشاء دار للأوبرا في المملكة وإنشاء فرقة أوركسترا سعودية تليق بمجتمع متحضر لديه إرث فني ضارب في أعماق التأريخ. لقد نُقل عن الأمير محمد في حواره مع «التايم» قوله: ‏‏«أنا أحب الفن، وأؤمن أن أي شخص يمتلك ذوقا رفيعا يجب أن يحب الفن ويقدره». ونحن أيضا نحب الفن يا سمو الأمير ونشكرك لأنك أعدت لنا كثيراً من محرضات تهذيب الذائقة وأسباب الرقي بالحس الإنساني التي صادرها عنوة حراس جلاوزة أوصدوا كل أبواب الحياة السوية التي يتمتع بها بقية البشر.

إنها مرحلة شاحبة ما بين حفلات تكسير الآلات الموسيقية إلى حفلات الأوبرا، كالتي أحيتها فرقة الموسيقى العربية لدار الأوبرا المصرية مساء الأربعاء.