محمد السعيد إدريس

انشغلت القوى والأحزاب السياسية العراقية بسؤال واحد ما زال يحكم كل أدائها، وتفاعلاتها مع الانتخابات البرلمانية التي من المقرر أن تجرى يوم 12 مايو/ أيار المقبل. هذا السؤال هو: ما هي السبل التي يمكن من خلالها الحصول على أكبر عدد ممكن من المقاعد داخل المجلس النيابي العراقي؟ باعتبار أن عدد المقاعد هو الذي سيحكم مدى قرب، أو بُعد أي منها عن السلطة، وإدارة الدولة. سؤال عدد المقاعد رغم كل أهميته، كان من المفترض أن يكون أحد الأسئلة، أو فلنقل أحد أهم الأسئلة، لأن التطلع إلى السلطة أمر طبيعي، لكن كان لا بد من وجود أسئلة أخرى ربما تكون أكثر أهمية والعراق يخطو أولى خطواته نحو الاستقرار، وإعادة البناء بعد الحرب الضارية التي فرضت عليه من تنظيم «داعش» والتي لم تدمر المباني فقط، بل هدمت أسس وقواعد «الاجتماع العراقي»، أي الأسس الاجتماعية والثقافية، وربما الحضارية، التي تأسست عليها الدولة العراقية، وقام عليها المجتمع العراقي، ومن ثم فإن إعادة بناء الوحدة الوطنية، والتأسيس لمشروع وطني عراقي جديد يعيد للعراقيين وحدة نسيجهم الوطني، ويؤسس لمستقبل، يمثل تطلعات الجميع، كان يجب أن يحظى بكل الأولوية، شرط أن يأتي متجاوزاً كل القيود التي فرضها الاحتلال الأمريكي البغيض للعراق، خاصة الطائفية السياسية التي دمرت وحدة العراقيين، إضافة إلى رهن القرار الوطني العراقي لإرادة قوى خارجية، سواء كانت دولية، أو إقليمية، خاصة الولايات المتحدة وإيران.

كان من المفترض أن تهتم الأحزاب والقوى السياسية بالبحث في كيف يمكن أن تخرج هذه الانتخابات عن قواعد اللعبة التقليدية، وبالتحديد عن قواعد «الكتل الطائفية المغلقة»، وسيطرة الدورين الأمريكي والإيراني على مسار العملية الانتخابية ونتائجها، لكن للأسف غابت المشروعات السياسية الحقيقية عن أولويات الكتل الانتخابية، وقد أدى ذلك إلى مطالبات بتأجيل الانتخابات، وبالذات من الكتل والأحزاب السنية التي تضررت كثيراً من الحرب ضد إرهاب «داعش»، وأدت إلى نزوح مئات الآلاف من مناطق تواجدهم وإقامتهم، كما ظهرت مطالبات ودعوات واسعة لمقاطعة الانتخابات بسبب ما اعتبر فشلاً للطبقة السياسية في إدارة أزمات البلاد، وارتفاع معدلات الفقر، والبطالة.

كما غابت الكتل الانتخابية «العابرة للطائفية السياسية»، ربما باستثناء تكتل «سائرون نحو الإصلاح» الذي أسسه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بالتعاون مع ما يسمى ب «التيار المدني» الذي يضم الحزب الشيوعي والتجمع الجمهوري وأحزاب وشخصيات أخرى ليبرالية ويسارية. ورغم ذلك لم يسلم هذا التكتل من الطعن في نزاهته السياسية من جانب قيادات محسوبة على الأحزاب والكتل الطائفية، فضلاً عن الهجوم الضاري الذي شنه علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني، على هذا التوجه من دون رد قوي وعلني من حكومة حيدر العبادي.

فقد تعرضت كتلة «سائرون نحو الإصلاح» لصنوف من التعليقات التي تتساءل عن طبيعة البرنامج السياسي الذي يمكن أن يجمع بين طرفين أحدهما مرجعه ديني، ويشكل أحد ثوابته العقائدية والسياسية، وآخر يؤمن ب «الديالكتيك» وفصل الدين عن الدولة، ورفض وجود الأحزاب الدينية على الساحة. لكن الهجوم الأهم على هذا التوجه شنه الداعية عامر الكفيش، المقرب من حزب الدعوة، بدعوته إلى استباحة دماء المدنيين والليبراليين لمنعهم من الانتخابات، ما دفع لجنة الثقافة والإعلام النيابية إلى مطالبة المرجعية الدينية الشيعية بالرد على هذه التصريحات. 

وإذا كان أنصار تكتل «سائرون نحو الإصلاح» يحاول «الخروج على قواعد اللعبة» بتشديد الدعوة إلى حاجة العراق إلى قوائم وكتل انتخابية تضع حداً للانقسام الطائفي والأيديولوجي الذي يسود العراق، وإلى قيام أحزاب وكتل جديدة على أساس برامج سياسية واقتصادية وتكون قادرة على تقديم حلول للأزمات الوطنية المستحكمة واستعادة الوحدة الوطنية العراقية، فإن الكتل الانتخابية التي تتنافس في الانتخابات المقبلة مع كثرتها هي بالأساس «كتل طائفية» ما بين الشيعية، وهي الأغلبية، وأخرى سنية تحاول المنافسة، وثالثة كردية تحاول المحافظة على الوجود الكردي كرقم قوي في المعادلة السياسية.

إن الوجود الأمريكي أيضاً يعاني الآن التأثيرات السلبية لتوجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا، الأمر الذي دفع إلى التساؤل عن مدى تأثير هذا التوجه في الوجود الأمريكي في العراق خاصة، مع تزامن إجراء الانتخابات العراقية مع موعد إعلان ترامب موقفه من الاتفاق النووي الموقع مع إيران، ما يعني أن واشنطن سوف تكون مضطرة على إبقاء وجودها العسكري، ومن ثم السياسي في العراق لمواجهة ما تعتبره «خطراً إيرانياً»، فضلاً عن أطماع الرئيس الأمريكي في نفط العراق، ما يعني أن الانتخابات العراقية سوف تبقى محاصرة «داخل قواعد اللعبة» التقليدية.