جبريل العبيدي

 لم يكد يجفّ حبر تصريحات رئيس الحزب السياسي لتنظيم الإخوان في ليبيا «العدالة والبناء»، والتي غازل فيها الجيش الليبي لدرجة أنه وصف ضحايا الجيش في مكافحة الإرهاب بالشهداء، وتغنى بعملية الكرامة العسكرية ووصفها بالمهمة والنوعية وأقر بوجود الإرهاب والإرهابيين، الأمر الذي كان لزمن قريب يُنكره، حتى انقلبت جماعة الإخوان على أعقابها، ونكثوا العهد بالمصالحة والتصالح وتوقف التغازل، وعادت الانتهازية السياسية للظهور، بمجرد ظهور إشاعة بمرض و«موت» المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، وسرعان ما ظهرت سيول من الشماتة والتشفي والكذب، لتكشف عن سيناريوهات تنظيم الإخوان لخلافة المشير وتقاسم ميراثه والرجل لا يزال حياً يُرزق، وتسقط ورقة المصالحة المزيفة، في محاولة منهم لتثبيط همم الجيش، ولكن هيهات.

عودة ظهور المشير حفتر بصحة جيدة، وبكامل نشاطه أربكت «الإسلام السياسي». حفتر الذي وصفته جماعة الإخوان بـ«الميت سريرياً» وأن دفنه تم سراً في باريس، وشاركتهم الأكاذيب صحف عالمية للأسف ومنها ما نقلته صحيفة «لوموند» الفرنسية من أن حفتر، أُصيب بـ«سكتة دماغية» أوجبت نقله سريعاً من العاصمة الأردنية عمان إلى باريس بينما الصحيفة الفرنسية «La nouvelle tribune»، التي أكدت الخبر عبر مراسلها وذهبت إلى التكهن باسم المستفيد من اختفاء المشير، والتي سرعان ما اتضح أنها أكاذيب مراسلين ذهبت أدراج الرياح، بعد أن كان مراسل إحدى القنوات الإخوانية يزعم أنه يقف أمام المستشفى العسكري الذي يرقد فيه المشير، وأنه «ميت سريرياً»، في لغة تتدنى إلى مستوى الإشاعة والكذبة، وتستحق الملاحقة القضائية لكونها كادت تتسبب في حالة زعزعة للأمن القومي الليبي والسلم المجتمعي، قد لا يُعرف مدى آثارها المترتبة، رغم أن المشير بعد أن ترجل من الطائرة، وصافح مئات الرجال والنساء من مستقبليه في بنغازي قال: «أُطمئن الجميع... أنا بصحة جيدة ولست معنياً بالرد على الترهات، وإننا لن نقف حتى نحقق ما استشهد من أجله الرجال في ميادين القتال».
عودة المشير حفتر الذي قال: «نحن قطعنا العهد أن نحقق آمال الشعب، ولا بد أن تكون ليبيا خالية من المجموعات الإرهابية التي تعكر صفو الليبيين»، أربكت حسابات تنظيم الإخوان، وبخاصة بعد أن جرّبوه في الحرب، وعرفوا مرارة الهزيمة أمام الجيش الليبي، الذي صنفته منظمة «غلوبال فاير باور» الأميركية بأنه التاسع أفريقياً، وهو الذي نهض من الرماد في بضع سنين.
أتباع تنظيم المرشد أصحاب الطاعة العمياء والتي يصفها حسن البنا بـ«طاعة الميت للمغسل»، لا يكلّون من تكرار التقية التي هي ترجمة حقيقية للكذب والخداع، بعد أن انكشفت تقية المصالحة التي كانت تتغنى بها شخصيات وقيادات إخوانية، على رأسها المطلوب دولياً علي الصلابي، وأن ما كانت تطرحه كان مجرد تقية سياسية، وليست مصالحة حقيقية يمكن أن تثمر عن حل أو حالة استقرار سياسي في بلد تتنازعه الفوضى والصراعات السياسية، مكّنت للجماعات الإرهابية من الوجود، بعضها تم استخدامه مثل «أنصار الشريعة» التي تحولت إلى تنظيم الدولة (داعش) المنهار أو ميليشيات «الدروع» التي كانت إخوانية الانتماء والقرار، والتي اصطفت إلى جانب انقلاب «فجر ليبيا» على شرعية مجلس النواب المنتخب.
لتنظيم الإخوان تاريخ طويل مع التقية السياسية، ولهذا كان التنظيم يخشى قادة كثيرين في العالم، شهدوا مواجهات مباشرة معه، منهم الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل والرئيس السادات، والآن هم في مواجهة في ليبيا مع قائد الجيش المشير خليفة حفتر، ولهذا اغتيالوا مَن تمكنوا منه كالراحل السادات وفشلوا مع الآخرين، وإن تنوعت أساليب الاغتيالات التي مارسها هذا التنظيم المصنف إرهابياً في كثير من البلدان.
التنظيم الذي يمارس تقية المصالحة والتصالح والشراكة الوطنية في ليبيا، الوطن الذي لا يؤمن بجغرافيته وحدوده الوطنية، يبقى امتداداً لجذور النفاق والكذب والخداع، التي تعود إلى التربية داخل أروقة التنظيم، التي تستخدم المبدأ الميكافيلي للوصول إلى مصالحها، ولو كان عبر بوابة الكذب والخداع تحت مسمى التقية.